الأزمات والأمن الفكري للمجتمع

بقلم : د/عائشة عبدالفتاح الدجدج
رئيس مؤسسة مصر المستقبل للتنمية
يعد الأمن بكل مكوناته (الأمن الصحي، الأمن الاقتصادي، الأمن الاجتماعي، وغيرها) مقصد مهم لكل الأفراد والجماعات، ومطلب ضروري لسائر الدول والمجتمعات، فبتوفيره يطمئن الإنسان على ضرورات الحياة، ويتمكن من ممارسة شؤونه والقيام بأعماله وقضاء مصالحه، والتنقل في جنبات الأرض بهدوء وارتياح.
والمجتمع الحريص على أمنه المتطلع إلى تحقيق التنمية، ينبغي أن يعمق الحس الأمني لأفراده، وأن يعنى بنشر ثقافته في المجتمع، وعليه ان يتعاون مع الحكومة ومع منظمات المجتمع المدني المعنية بمواجهة تحديات الأمن، وأن يلتزم بتوجيهاتها، ويأخذ الاحتياطات اللازمة لدرء مكامن الخطر، بدءا من إعتماد أساليب الوقاية من الأوبئة والأعمال التي قد تؤدي إلى زعزعة أمن المجتمع الصحي أو الاقتصادي أو غيرهما.
وهذا ما نلاحظه اليوم في تأكيد اهمية أخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة فيروس كورونا، والالتزام بالبروتوكولات الصحية المتعلقة بالتباعد الجسدي، وتحاشي التجمعات، وارتداء اقنعة الوقاية والقفازات، وذلك تعزيزا لمرتكزات الأمن الوطني.
إن الامن يلعب دورا رئيسيا في إرساء قواعد التنمية، لذا لا بد أن يسعى المجتمع بمختلف شرائحه ومكوناته لترسيخ الأمن وحفظ النظام أولا ، باعتباره الإجراء التنموي الأول الذي لا حياد عنه. وأن ارتفاع الوعي الأمني لدى كل فرد كفيل بحماية المجتمع من المآسي والأخطار ويحفظه من الفواجع. لذا فإن الحكومات ذات النهج التنموي، مثلما تحرص على التعليم ومناهجه، وعلى القطاعات الانتاجية والخدمية وتنميتها، فأنها تحرص على ترسيخ أسس الوعي الامني لدى الطلبة بخاصة، والمجتمع بأسره عامة.
كما أن الإنتماء الوطني هو إتجاه ايجابي مدعم بالحب يستشعره الفرد نحو وطنه تعبيرا عن ارتباطه به وإنتسابه إليه ، ولا يمكن أن يتخلى عنه مهما إشتدت الأزمات . كما أن غرس قيم استشعار المسؤولية الوطنية الجامعة لمكوناته وأفراده في نفوس الطلبة والشباب عموما، يؤدي إلى تعزيز الهوية الوطنية، ويحافظ على امن الوطن واستقراره. الأمر الذي يتطلب من المثقفين والمعلمين تعزيز مدركات الشباب، وجعلهم أكثر يقينا بأن ما يتخذ من إجراءات إحترازية إستباقية لمواجهة الكوارث والأزمات والأوبئة هي إجراءات ضرورية لحفظ أمن المجتمع، وهي مصلحة عليا لكل فرد من أفراده ، وأن يكونوا مستعدين لتجنيد انفسهم لتحقيقه.
إن حب الوطن والاخلاص والولاء والوفاء له، ليس ذلك كلمات جميلة نتغنى بها، وقصائد مدوية نطلقها، لكنه إستعداد حقيقي للدفاع عن الوطن حتى الاستشهاد من أجله ، كعمل تطوعي لا نبتغي عليه ثمنا دنيويا عابرا، حيث لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في أوقات الأزمات وتسارع وتعدد التحديات ما لم نأخذ بالأسباب والوسائل المرسخة للأمن والتضحية بالغالي والنفيس إن تطلب ذلك.
وهذا يعني ان الدفاع عن الوطن لا ينحصر بحمل السلاح والمواجهة العسكرية لأعدائه فحسب، بل يتجاوز ذلك ليشمل معه كل إسهام يقدم خدمات جليلة للوطن والمواطنين والمقيمين فيه في ظل الأزمات.
فمثلا في ظل جائحة كورونا فإن خط الدفاع الأول عن الوطن هم الأطباء والممرضون والعاملون في القطاع الصحي والمتطوعون معهم من أفراد المجتمع، وما تقدمه قوى الأمن الداخلي والقطاعات الأخرى من خدمات مساندة للقطاع الطبي والصحي تيسر لهم تحقيق رسالتهم في مواجهة تحدي كورونا.
والحماية من الإنحراف الفكري والأخلاقي غاية في الأهمية، فالأفكار المنحرفة تتسلل وتنتشر داخل المجتمع من خلال 3 مراحل هي :-
مرحلة التفريغ : ويتم فيها تفريغ عقول النشئ وقلوبهم ونفوسهم وإرادتهم من محتوياتها ذات الجذور العقلية والوجدانية والأخلاقية وانتزاعها،
مرحلة التلقين : يتم فيها الحشو والتلقين للأفكار المنحرفة التي تخدم أهداف الأعداء وتهز كيان المجتمع وتزعزع أمنه واستقراره الفكري والمادي،
مرحلة التسخير : يتم فيها تسخير طاقات من تم التأثير عليهم لمحاربة المجتمع على جميع المستويات ونشر فكرهم المنحرف بين جميع أفراده للسيطرة عليه وتحقيق أهدافهم.
ويؤثر الإنحراف الفكري والسلوكي في إقتصاد المجتمع وتنميته بما يحدثه من إتلاف للأموال والأنفس وانتشار البطالة وبما يؤثره فقدان الأمن والاستقرار من ضعف الانشطة التنموية.
لكن كيف يمكن تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع ؟
إن تحقيق الأمن الفكري مسئولية تضامنية بين الدولة والمجتمع بجميع شرائحه ومؤسساته الحكومية وغير الحكومية ، وتحقيقه يحتاج إلى برامج واستراتيجيات طموحه وأهداف بعيدة المدى، ويمكن تحقيق الأمن الفكرى بالمجتمع على مرحلتين، الأولى إعداد وتأهيل أفراد المجتمع بشكل علمي وموضوعي سليم ودعمه بكافة المقومات الفكرية التي تشكل بنائه العقلي والفكري والثقافي كي يتمكن من تقدير الأمور بحكمة وموضوعية وبطريقة فعالة. والمرحلة الثانية تتمثل في تحصين الأفراد بإكسابهم المهارات والخبرات لنقد وتمييز الأمور وإدراكها بعيدا عن الإنحراف والقلق.