دين ودنيا

وقفه مع الشورى فى معركة أحد ” الجزء الخامس “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع الشورى فى غزوة أحد، وكانت أولى الخطوات لهذه الغزوة من قبل المشركين هو جمع الأموال ورصدها للإنفاق منها على هذا الجيش، وقد وجدت ذلك المورد في العير التي نجا بها أبو سفيان، وكانت سببا من أسباب غزوة بدر، وكانت ما تزال موقوفة في دار الندوة، فذهب أشراف قريش إلى أبي سفيان، فقالوا نحن طيبو أنفس أن تجهز بربح هذه العير جيشا إلى محمد، فقال أبو سفيان وأنا أول من أجاب إلى ذلك وبنو عبد مناف معي، فباعوها، فصارت ذهبا، فكانت ألف بعير، والمال خمسين ألف دينار، فسلم إلى أهل العير رؤوس أموالهم، وأخرجوا أرباحهم، وكانوا يربحون للدينار دينارا، فحصل لهم من ذلك أموال كثيرة، رصدت كلها للإنفاق على هذا الجيش، وتم استنفار العرب لمشاركتهم في حرب المسلمين ومساعدتهم على الأخذ بثأرهم، فخرج صفوان بن أميّة ومعه أبو عزّة الشاعر الذى منّ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر بدون فدية إلى تهامة، وخرج مُسافع بن عبد مناف إلى كنانة يحرّضانهما.

ويثيران فيهما النخوة لمحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرّض بعض رجال قريش عبيده، فجعل ثمن عتقه أن يغتال بعض فرسان المسلمين، كما حدث مع وحشي بن حرب الحبشى، وكان حشدا معنويا، فعملوا على حمل أفراد الجيش على الثبات وعدم الفرار، وأثاروا فيهم الحمية والنخوة بالدفاع عن الحرمات والأعراض، فخرجت كرائم نساء قريش اللاتي أصبن في أحبتهن في بدر، ليحمسن الرجال على القتال، ويدفعنهم إلى الأخذ بالثأر، وعندما تم استعداد قريش، خرجت بحدها وجدها، وحديدها وأَحابِيشها، ومن تابعها من بني كنانة وأهل تهامة، ومعهم أبو عامر الفاسق وهو أحد بني ضبيعة من الأوس بخمسة عشر رجلا منهم مؤملا أن تخذل قبيلة الأوس رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصاحبهم من الظعن خمس عشرة امرأة، وبلغ عدد الجيش ثلاثة آلاف رجل، فيهم سبعمائة دارع، ومائة رامى، ومعهم مائتى فرس، وثلاثة آلاف بعير، وبعد أن دفع اللواء إلى حملته من بني عبدالدار.

تحرك هذا الجيش الضخم الذى يغلي بحب الانتقام متوجها إلى المدينة، حتى نزلوا يوم الأربعاء الثاني عشر من شوال من السنة الثالثة من الهجرة بعينين ببطن السّبخة من قناة على شفير الوادي، قريبا من جبل أحد، وأرسلوا إِبلهم وخيلهم ترعى زروع المدينة بالعريض، حتى لم يتركوا منها عودا أخضر، وقيل أن العباس بن عبدالمطلب أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتابا يخبره بتعبئة قريش وخروجها تقصد المدينة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن الربيع بذلك، ثم أرسل أنس ومؤنس ابني فضالة، فأتياه بخبر قريش وقربهم من المدينة، وإطلاقهم لخيلهم وإبلهم ترعى زروع المدينة، ثم بعث الرسول صلى الله عليه وسلم الحُباب بن المنذر، فتمكن من الدخول في معسكر قريش، ثم رجع فقدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تقريرا واقعيا عنهم، عند ذلك بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا جعلته يميل إلى المكث في المدينة وقتال قريش منها.

ولكنه أَحب أن يأخذ رأي أصحابه في ذلك، فقرار الحرب أمر خطير، يجب أن يكون لكبار القواد والمقاتلين رأي فيه، وقد رأى أكابر المهاجرين والأنصار موافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في قتال العدو وهم في المدينة، ووافقهم عبدالله بن أبي، وقال يا رسول الله، أَقم بالمدينة لا تخرج إليهم، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا، فدعهم يا رسول الله، فإن أقاموا، أقاموا بشر محبس، وإن دخلوا، قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا، رجعوا خائبين كما جاؤوا، وهكذا فإن الشورى هي نظام إسلامي متكامل، جعله الله تعالى أساسا ودستورا للحكم الإسلامي، فنظام الدولة الإسلامية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين هو نظام الشورى، ويوم كانت الأمة تمشي بهذا النظام كان العدل والإنصاف هو السائد، وكانت الأمور تسير على خير كبير، لأن قراراتها التي تتخذ كانت صائبة لأنها اتخذت على هذا الأساس أساس الشورى.

وإن هذا النظام العظيم نظام الشورى في الإسلام مكن الأمة وجعلها هى صاحبة السلطان، فلا يتخذ الحاكم أو الأمير قرارا إلا بمشاورتها وأخذ رأيها، وجعلت السلطان ينظر إلى نفسه إلى أنه مجرد وكيل عن الأمة ونائبا عنها ولا يحق له أن يستبد برأيه، أو يتصرف بهواه بعيدا عنها، فغاب الظلم، واختفى الاستبداد، وزال الإجحاف، وصار الناس ينظرون إلى المستبد برأيه أنه خائن للأمة، وخائن للأمانة والمسئولية، ممارس للطغيان الذي يفسد البلاد والعباد، فالشورى هي المنهاج الصحيح والطريق القويم الذى إذا أرادت الأمة الصلاح والخير فعليها أن تمشي عليه، وتتخذه نظاما لحكمها، وتطالب بتطبيقه في واقعها، لأن المجتمع الإسلامي لن يتناسب معه أى نظام آخر غير النظام الشوروي، فلن يصلح لها إلا نظام الشورى الذي صلحت به أول هذه الأمة، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، لأنه النظام الوحيد القادر على إيصال رسالة الإسلام الحضارية إلى كل الأمم، وهو بداية الخير لكل تغيير وإصلاح تنشده الأمة وتريده.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock