دين ودنيا

وقفه مع مالك بن نويرة ” الجزء الأول “

إعداد / محمــــد الدكـــرورى

ومازال الحديث موصولا المرتدين وعن الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وسوف نعيش ومع شخصية من كبار بني يربوع من بني تميم، وصاحب شرف رفيع وأريحية عالية بين العرب، حتى ضرب به المثل في الشجاعة والكرم والمبادرة إلى إسداء المعروف والأخذ بالملهوف، وكانت له الكلمة النافذة في قبيلته، حتى أنه لما أسلم ورجع إلى قبيلته وأخبرهم بإسلامه، وأعطاهم فكرة عن جوهر هذا الدين الجديد، أسلموا على يديه جميعا ولم يتخلف منهم رجل واحد، وقد كان قد نال منزلة رفيعة لدى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حتى نصبه وكيلا عنه في قبض زكاة قومه كلها، وتقسيمها على الفقراء، وهذا دليل وثقاته واحتياطه وورعه، إنه مالك بن نويرة بن جمرة بن شداد اليربوعى التميمى ويكنى أبا حنظلة، وكان يلقب بالجفول لكثرة شعره، وكان شاعرا معدودا في فرسان بنى يربوع في الجاهلية وأشرافهم، وقد أدرك الإسلام وأسلم، وقد ولاه النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم صدقات قومه بنى اليربوع.

وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم امتنع عن دفعها، وهو مالك بن نويرة بن حمزة بن شداد بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر بن إد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وكان هذا الصحابي الجليل قد نال منزلة رفيعة لدى النبي صلى الله عليه وسلم حتى نصبه وكيلا عنه في قبض زكاة قومه كلها، وتقسيمها على الفقراء، وهذا دليل وثقاته واحتياطه وورعه، وقد اختص مالك بأمير المؤمنين على بن أبى طالب وأخلص له نهاية الإخلاص، حتى أنه ما بايع أبا بكر الصديق، وأنكر عليه أشد الإنكار، وعاتبه بقوله له أربِع على ضلعك، والزم قعر بيتك، واستغفر لذنبك، وردّ الحق إلى أهله، أما تستحي أن تقوم في مقام أقام الله ورسوله فيه غيرك، وما تزال يوم الغدير حجة، ولا معذرة، وامتنع مالك عن بيعة أبي بكر الصديق وعن دفع الزكاة إليه، وقام بإعادة الأموال إلى أصحابها من قومه، وقال لهم شعرا، فقلت خذوا أموالك غير خائف ولا ناظر ماذا يجئ مع الغد، فإن قام بالدين المحوق.

قائم أطعنا وقلنا الدين دين محمد، وكانت وصية أبي بكر أن يؤذنوا إذا نزلوا منزلا فإن أذن القوم فكفوا عنهم وإن لم يؤذنوا فقاتلوهم وإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فاسألوهم عن الزكاة فإن أقروا فاقبلوا منهم وإن أبوا فقاتلوهم، فجاءت خيل خالد بن الوليد بمالك بن نويرة في نفر من بني ثعلبة بن يربوع فاختلفت السرية فيهم وكان فيهم أبو قتادة فكان فيمن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا فلما اختلفوا أمر بهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شيء فأمر خالد مناديا فنادى “أدفئوا أسراكم” وهي في لغة قبيلة كنانة القتل وكنانة قبيلة خالد بن الوليد، فظن القوم أنه أراد القتل ولم يرد إلا الدفء فقتلوهم، فقتل ضرار بن الأزور مالكا، وتزوج خالد بن الوليد أم تميم امرأة مالك، وغاية ما يقول العلماء عن قصة مالك بن نويرة أن خالد بن الوليد تأول فأخطأ، لا سيما أن مالك بن نويرة منع الزكاة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنع قومه من دفع الزكاة إلى أبي بكر فضلا عن علاقة مشبوهة واضحة تمت بينه وبين سجاح التي ادعت النبوة.

ويقول الذهبى فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع بينهم وجهاد محّاء وعبادة ممحّصة ولسنا ممن يغلو في أحد منهم ولا ندعي فيهم العصمة، ويرى البعض أن الروايات الموجودة في السير يجب أن تدقق ويعرف سندها ورواتها وهذا ماذكره ابن حجر في الإصابة حيث قال وأما أنه تزوج بامرأة مالك بن نويرة فهذا لايصح، لأن إسناده منقطع، في حين تذكر مراجع أخرى نسخة مختلفة، حيث يقول الواقدى في كتاب الردة “ثم قدم خالد بن الوليد، مالك بن نويرة ليضرب عنقه، فقال مالك أتقتلني وأنا مسلم أصلي القبلة، فقال له خالد بن الوليد لو كنت مسلما لما منعت الزكاة ولا أمرت قومك بمنعها، والله لما قلت بما في منامك حتى أقتلك، قال فالتفت مالك بن نويرة إلى امرأته فنظر إليها ثم قال يا خالد، بهذا تقتلني، فقال خالد بل لله أقتلك برجوعك عن دين الإسلام وجفلك لإبل الصدقة، وأمرك لقومك بحبس ما يجب عليهم من زكاة أموالهم، قال ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبرا فيقال إن خالد بن الوليد تزوج بامرأة مالك، ودخل بها، وعلى ذلك أجمع أهل العلم”

وأما رأى ابن تيمية ثم يقال غاية ما يقال في قصة مالك بن نويرة إنه كان معصوم الدم، وإن خالدا قتله بتأويل، وهذا لا يبيح قتل خالد، ومعلوم أن خالدا قتل مالك بن نويرة لأنه رآه مرتد وبالجملة فنحن لم نعلم أن القضية وقعت على وجه لا يسوغ فيها الاجتهاد, والطعن بمثل ذلك من قول من يتكلم بلا علم، وهذا مما حرمه الله ورسوله، وكما يقول ابن كثير في كتابه البداية والنهاية، فيقال إن الأسارى باتوا فى كبولهم في ليلة باردة شديدة البرد، فنادى منادى خالد أن دافئوا أسراكم، فظن القوم أنه أراد القتل، فقتلوهم، وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة، فلما سمع خالد الواعية خرج وقد فرغوا منهم، فقال إذا أراد الله أمرا أصابه، واصطفى خالد امرأة مالك بن نويرة، وهي أم تميم ابنة المنهال، وكانت جميلة، فلما حلت بنى بها ويقال بل استدعى خالد مالك بن نويرة فأنبه على ما صدر منه من متابعة سجاح، وعلى منعه الزكاة، وقال ألم تعلم أنها قرينة الصلاة؟ فقال مالك إن صاحبكم كان يزعم ذلك، فقال أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟

يا ضرار، اضرب عنقه، فضرب عنقه، وأمر برأسه فجعل مع حجرين، وطبخ على الثلاثة قدرا، فأكل منها خالد تلك الليلة ليرهب بذلك الأعراب من المرتدة وغيرهم، ويقال إن شعر مالك جعلت النار تعمل فيه إلى أن نضج لحم القدر، ولم يفرغ الشعر لكثرته، وقد تكلم أبو قتادة مع خالد فيما صنع، وتقاولا في ذلك، حتى ذهب أبو قتادة فشكاه إلى الخليفة أبى بكر الصديق، وتكلم عمر مع أبى قتادة في خالد، وقال للصديق اعزله، فإن في سيفه رهقا فقال أبو بكر لا أشيم سيفا سله الله على الكفار، وجاء متمم بن نويرة فجعل يشكو إلى الصديق خالدا، وعمر يساعده وينشد الصديق ما قال فى أخيه من المراثي، فوداه الصديق من عنده، وتكاد تتفق العديد من الروايات التاريخية حول زواج سيف الله المسلول خالد بن الوليد من ليلى بنت سنان، وهى زوجة مالك بن نويرة، أحد الذين قتلوا فى حروب الردة، وتزيد بعض الروايات على ذلك، فتقول إن خالد تطلع إليها قبل قتل زوجها مالك بن نويرة، ولهذا قتله بغيا من أجل أن يتزوج منها، وقد اختلفت الآراء.

في مقتل مالك بن نويرة اختلافا كثيرا أقتل مظلوما أم مستحقا أى أنه قتل أكافرا أم مسلما؟ ولكن أن الذى أردى مالك هو كبره وتردده، فقد بقي للجاهلية في نفسه نصيب, وإلا لما ماطل هذه المماطلة فى التبعية للقائم بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي تأدية حق بيت مال المسلمين المتمثل بالزكاة, وقيل أن الرجل كان يحرص على زعامته ويناكف في الوقت نفسه بعض أقربائه من زعماء بني تميم الذين وضعوا عصا الطاعة للدولة الإسلامية، وأدوا ما عليهم لها من واجبات، وقد كانت أفعاله وأقواله على السواء تؤيد هذا التصور، فارتداده ووقوفه بجانب سجاح بن الحارث مدغية النبوة وتفريقه إبل الصدقة على قومه، بل ومنعهم من أدائها لأبى بكر الصديق وعدم إصاخته لنصائح أقربائه المسلمين في تمرده، كل ذلك يدينه ويجعل منه رجلا أقرب إلى الكفر منه إلى الإسلام, ولو لم يكن مما يحتج به على مالك إلا منعه للزكاة لكفى ذلك مسوغا لإدانته، وهذا المنع مؤكد عند الأقدمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock