دين ودنيا

وقفه في حياة نبى الله يوسف ” الجزء التاسع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء التاسع مع نبى الله الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم وهو نبى الله يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم جميعا وعلى نبينا محمد الصلاة والسلام، وقد توقفنا عندما طلب نبى الله يوسف منهم أن يردوا إليهم بضاعتهم، فأظهروا أن الأمر ليس ميسورا وسوف يمانع، ليستبدلوا بها القمح والعلف في رحالهم بدلا من القمح فيضطروا إلى العودة إليه بأخيهم، وعاد إخوة يوسف إلى أبيهم، وطلبوا أخوهم أن يذهب معهم فرفض يعقوب، وذهب الإخوة إلى بضاعتهم ليخرجوها ففوجئوا ببضاعتهم الأولى التي دفعوها ثمنا، ولم يجدوا قمحا، فأخبروا والدهم أن بضاعتهم قد ردت إليهم، ثم أخذوا يحرجون أباهم بالتلويح له بمصلحة أهلهم في الحصول على الطعام، ويؤكدون له عزمهم على حفظ أخيهم، ويرغبونه بزيادة الكيل لأخيهم، فقد كان يوسف يعطي لكل فرد حمل بعير، ولم ينسى أن يوصيهم في هذا الموقف وينصحهم، وسافر الإخوة إلى مصر، ودخلوها من حيث أمرهم أبوهم، ولما وقفوا أمام يوسف، دعا أخاه الصغير، وقربه إليه، واختلى به، وأخبره أنه يوسف أخوه، ثم وزن البضاعة لإخوته، فلما استعدوا للرحيل والعودة إلى بلادهم، إذا بيوسف يريد أن يستبقي أخاه بجانبه، فأمر فتيانه بوضع السقاية وهو إناء كان يكيل به في رحل أخيه الصغير.

وعندما بدأت القافلة في الرحيل إذا بمناد ينادي ويشير إليهم فأقبل الإخوة يتساءلون عن الذي فقد، فأخبره المنادي أنه فقد مكيال الملك، وقد جعل لمن يأتي به مكافأة قدرها حمل بعير، وهنا لم يتحمل إخوة يوسف ذلك الاتهام، فدخلوا في حوار ساخن مع يوسف عليه السلام ومن معه، فهم ليسوا سارقين وأقسموا على ذلك، وهنا ينكشف التدبير الذي ألهمه الله يوسف، فقد كان الحكم السائد في شريعة بني إسرائيل أن السارق يكون عبدا للمسروق منه، ولما كان يوسف عليه السلام يعلم أن هذا هو جزاء السارق في شريعة بني إسرائيل، فقد قبل أن يحتكم إلى شريعتهم دون شريعة المصريين، ووافق إخوته على ذلك لثقتهم في أنفسهم، فأصدر يوسف الأوامر لعماله بتفتيش أوعية إخوته، فلم يجدوا شيئا، ثم فتشوا وعاء أخيه، فوجدوا فيه إناء الكيل، وتذكر إخوة يوسف عليه السلام ما وعدوا به أباهم من عودة أخيهم الصغير إليه، وهكذا مكن الله ليوسف أن يحتفظ بأخيه، أما الإخوة فقد احتاروا وجلسوا يفكرون فيما سيقولونه لأبيهم عندما يعودون، فقرر كبيرهم ألا يبرح مصر، وألا يواجه أباه إلا أن يأذن له أبوه، أو يقضي الله له بحكم، وطلب منهم أن يرجعوا إلى أبيهم، ويخبروه صراحة بأن ابنه سرق، فأخذ بما سرق، وإن شك في ذلك؛ فليسأل القافلة التي كانوا معها أو أهل المدينة التي كانوا فيها.

فعادوا إلى أبيهم وحكوا له ما حدث، إلا أن أباهم لم يصدقهم، ثم تركهم، وأخذ يبكي على يوسف وأخيه، حتى فقد بصره، فاغتاظ أبناءه، فرد يعقوب عليهم أنه يشكو أمره لله، وليس لأحد من خلقه، وطلب منهم أن يذهبوا ليبحثوا عن يوسف وأخيه، فهو يشعر بقلب المؤمن أن يوسف ما زال حيا، والمؤمن لا ييأس من رحمة الله أبدا، وتوجه الأبناء إلى مصر للمرة الثالثة يبحثون عن أخيهم، ويلتمسون بعض الطعام، وليس معهم إلا بضاعة رديئة، ولما وصلوا دخلوا على يوسف، فأخبرهم يوسف بحقيقته، وبفضل الله عليه، فاعتذر له إخوته، وأقروا بخطئهم، فعفا يوسف عنهم، وسأل الله لهم المغفرة، ثم سألهم يوسف عليه السلام عن أبيه، فعلم منهم أنه قد فقد بصره بسبب حزنه عليه، وبعد أيام عاد إخوة يوسف عليه السلام إلى أبيهم، وبشروه بحياة يوسف عليه السلام وسلامة أخيه، ثم أخرجوا قميص يوسف، ووضعوه على وجه يعقوب، فارتد إليه بصره، وطلب إخوة يوسف من أبيهم أن يستغفر لهم، فوعدهم يعقوب بأنه سيستغفر لهم الله وقت السحر، لأن هذا أدعى إليه استجابة الدعاء، وغادر بنو إسرائيل أرضهم متوجهين إلى مصر، فلما دخلوها، استقبلهم يوسف عليه السلام بترحاب كبير، وأكرم أبويه، فأجلسهما على كرسيه، وهنا لم يتمالك يعقوب وامرأته وبنوه الأحد عشر أنفسهم حتى انحنوا تحية ليوسف عليه السلام وإكبار لوفائه.

وتقديرا لعفوه وفضله، وتذكر يوسف عليه السلام رؤياه القديمة التي رآها وهو صغير، فالأحد عشر كوكبا بعدد إخوته، والشمس والقمر هنا أبواه، ثم توجه يوسف إلى الله يشكره على نعمه، وبحسب دراسات المؤرخين وعلماء الآثار يوجد قبر نبى الله يوسف عليه السلام في شمال فلسطين في مدينة نابلس تحديدا، حيث يمكنك الوصول إليه عن طريق التوجه نحو المدخل الشرقي للمدينة، حيث يقع بالقرب من كنيسة النبي يعقوب من الجهة الشمالية الغربية وبجانب تل بلاطة، ويعتبر قبر النبي يوسف عليه السلام من أهم المواقع الأثرية والدينية في نابلس، حيث يقصدها العديد من الناس بهدف ديني من أجل التقرب من الله تعالى والحصول على رضاه وتخضع المنطقة التي يوجد فيها قبر النبي يوسف عليه السلام إلى حكم السلطة الوطنية الفلسطينية، ويتبع إلى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، حيث تعتبر المسئول الأول عن أعمال ترميم القبر والمحافظة عليه والاهتمام به، تبلغ مساحة مقام النبي يوسف عليه السلام ستمائة وستون متر مربع، وكان يتكون المقام قديما من بناء يحتوي على غرفتين، غرفة غربية وعرفة جنوبية، وهي الغرفة التي تحتوي على قبر نبى الله يوسف، ومن الممكن معرفتها عن طريق ملاحظة القبة التي تغطي سقفها، وبالإضافة إلى الغرفتين يحتوي المقام عل ساحة شمالية.

وقام أهل مدينة بلاطة الواقعة بالقرب من المقام على أعمال توسيع بالمقام حيث قاموا بإضافة غرفة ثالثة إلى المقام، والتي استخدمت قديما كغرفة تدريس لأطفال المنطقة، ويحتوي الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل على مقام نبى الله إبراهيم عليه السلام ومقام آخر لنبى الله يوسف عليه السلام، وقد تم بناء هذا القبر في العصر العباسي من قبل أم احد الخلفاء العباسيين، التي شاهدت في حلمها أن قبر نبى الله يوسف يقع في مدينة الخليل وليس في نابلس، فقامت بأعمال البحث والتنقيب عن القبر في ساحات الحرم الإبراهيمي، حيث وجد الباحثون لوح من الخشب اعتقد أنه من بقايا القبر، فقامت ببناء مقام للقبر في تلك المنطقة وأصبح رمزا دينيا يقصده الناس للعبادة والتضرع، وعلى الرغم من وجود المقام في مدينة الخليل الخاضعة لحكم السلطة الفلسطينية إلا أن الحرم الإبراهيمي والمقام خاضعان لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي، وقد عثر أحد الباحثين الأثريين في مصر على مومياء وكانت جميع المؤشرات تشير إلا أنها تعود للنبي يوسف عليه السلام، وبناء على ذلك قيل أن قبر النبي يوسف عليه السلام يقع في مصر لا في أي مكان آخر، وقيل أنه بعد أن انتهى نبى الله يوسف عليه السلام من محنة البئر ومعاناته فيه، انتقل إلى محنة أخرى أصعب من سابقتها، فقد عمل يوسف في بيت سيد بمصر وهو العزيز.

و قد أظهر يوسف في عمله كل ما يكنه من أمانة و نزاهة و كياسة ،مما زاد من ثقة العزيز به، وأما امرأة العزيز فقد كانت لا تنجب بسبب عقم زوجها، ولما كان يوسف يتمتع بجمال باهر وحسن في الخلق والخلقة، فتنت به وأحبته حبا شديدا، وأخذت تتقرب منه وتبدي له حبها، إلا أن يوسف عليه السلام كان دائما يعرض عنها امتثالا لأوامر الله و خوفا من عصيانه، ولقد ذكر القرآن الكريم حكام مصر الأقدمين وفرق بينهم لما يذكر حكام مصر في عصر موسى عليه السلام لا يذكره إلا بصيغة فرعون، وذلك في أكثر من ستين آية كريمة، وأما عند ذكر حكام مصر في عصر نبي الله يوسف عليه السلام فلا يذكره إلا بلفظ الملك، وإنه لم تفرق التوراة إطلاقا بين حكام مصر في عصر نبي الله موسى وبين حكام مصر في عصر نبي الله يوسف عليهم السلام فكانت تذكرهم بلفظ الفرعون دون التفريق بينهم، وقد جاء في التوراة ” ثم قال الرب لموسى، بكر في الصباح وقف أمام فرعون وقل له هكذا يقول الرب إله العبرانيين، أطلق شعبي ليعبدوني لأني أرسل جميع ضرباتي إلى قلبك وعلى عبيدك وشعبك لكي تعرف أنه ليس مثلي في كل الأرض” وأما لما تحدث عن حاكم مصر في عهد نبى الله يوسف عليه السلام في إصحاح تكوين واحد واربعين قال ” فحسن الكلام في عيني فرعون وفي عيون جميع عبيده، فقال فرعون لعبيده وهل نجد مثل هذا، رجلا فيه روح الله، ثم قال فرعون ليوسف.

بعد ما أعلمك الله كل هذا ليس بصير وحكيم مثلك، أنت تكون على بيتي وعلى فمك يقبل جميع شعبي” وإن من المتفق عليه أن نزول نبى الله يوسف عليه السلام إلى مصر وحكمه كان قبل بعثة نبى الله موسى عليه السلام بفترة طويلة، فالمصريين لم يقولوا لن يبعث الله تعالى من بعده رسولا إلا بسبب الفترة الطويلة التي جاءت بعده ولم يرسل فيها الله نبيا وهذا بعكس أنبياء بني إسرائيل الذين كان الله سبحانه يرسلهم على فترات متقاربة وبما أن بعثة نبى الله موسى عليه السلام كانت في زمن فرعون مصر وهو رمسيس الثاني، كمان تبين ذلك فلا شك أن يوسف عليه السلام كان في مصر قبل عصر الأسرة الثامنة عشرة أي الفترة التي كان يطلق على حكام مصر لقب الملك بغض النظر إن كان الحكام مصريين أم من الهكسوس فالكل كان يطلق لفظ ملك على الحاكم، وقد تم اكتشاف حجر يعود إلى الأسرة الثالثة وتحديا إلى عصر الملك دوسر حيث كتب عليه الملك زوسر يطلب من الآلهة رفع المجاعة التي ضربت مصر والتي استمرت لسبع سنوات، وإن الأرجح أن يكون نبى الله يوسف عليه السلام قد حكم مصر في عهد الملك زوسر أو دوسر في عصر الأسرة الثالثة لأنه جرى توثيق لهذه المجاعة على أنها استمرت لسبع سنوات كما انه تمت الإشارة إلى حاكم مصر على أنه الملك وليس الفرعون وهذا أيضا موافق للقرآن الكريم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock