دين ودنيا

وقفه مع الشورى فى معركة أحد ” الجزء التاسع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء التاسع مع الشورى فى غزوة أحد، وقد توقفنا عندما شعرت قريش بأنها لن تستطيع أن تجعل المعركة فاصلة، فتقضي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت في دفن قتلاها، ثم أقبل أبو سفيان على المسلمين، فقال أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه، ثم قال أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاث مرات، فلم يجيبوه، ثم قال أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاث مرات، فلم يجيبوه، فأقبل أبو سفيان على أصحابه، فقال أما هؤلاء، فقد قتلوا وقد كفيتموهم، فما ملك عمر نفسه أن قال كذبت والله يا عدو الله إن الذي عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوؤك، فقال أبو سفيان يوم بيوم بدر، والحرب سجال، ثم إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها، ولم تسؤني، ثم جعل يقول اعلُ هُبل، اعلُ هُبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجيبوه، فقولوا ” الله أعلى وأَجل لا سواه، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار” فقال أبو سفيان لنا العُزّى ولا عُزّى لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجيبوه ” الله مولانا ولا مولى لكم”

فلما انصرف أبو سفيان نادى إن موعدكم بدر في العام المقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه، قل نعم هي بيننا وبينكم موعد، وخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما انصرف المشركون أن يعرجوا على المدينة فيهاجموها، ورأى أن عليه أن يحاربهم دونها ويمنعهم من دخولها، فأرسل علي بن أبي طالب في آثار القوم، وقال ” انظر ما يصنعون وما يريدون؟ فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل، فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل، فإنهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده، لئن أرادوها لأَسيرن إليهم فيها، ثم لأناجزنهم” فخرج علي في آثارهم فرآهم جنبوا الخيل وامتطوا الإبل واتجهوا إلى مكة، فعاد وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رأى، عند ذلك أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بدفن شهداء أحد في مكان استشهادهم، وعند ما وقف الرسول صلى الله عليه وسلم على عمه حمزة، ظهر الحزن عليه وقال ” لن أصاب بمثلك أبدا، ما وقفت موقفا أغيظ إليّ من هذا”

ثم قال “إن حمزة بن عبدالمطلب مكتوب في أهل السموات السبع أسد الله، وأسد رسوله” وكان حمزة رضى الله عنه أخا الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، وانجلت المعركة عن استشهاد سبعين من المسلمين، وقَتل اثنين وعشرين رجلا من المشركين، فيهم حملة اللواء، وبعد أن انتهى الرسول صلى الله عليه وسلم من دفن قتلى أحد، عاد إلى المدينة بعد أن وسّد في أحُد سبعين من خيرة شهداء المسلمين، كان استشهادهم نتيجة لعصيان الرماة أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتغال بعض المسلمين عن تتبع العدو بالاستيلاء على غنائمه ليكون ذلك درسا ماثلا دائما أمام المسلمين، وإذا كانت معركة أحد ابتلاءً للمؤمنين وتمحيصا لهم، أدى إلى أن يولي بعض المسلمين من المعركة عندما استزلهم الشيطان وقت التقاء الجمعين، فإن البعض الآخر من المسلمين ثبت في ميدان المعركة، ضاربا أروع الأمثلة في ميدان البطولة والاستشهاد حفاظا على الدعوة وصاحبها عليه الصلاة والسلام، ذلك أن معركة أحد فيها نماذج لبطولات فذة.

تعد كل واحدة منها مثلا عاليا في الجهاد وحب الاستشهاد، فهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في البطولة يثبت في بداية المعركة وفي نهايتها، ولا يفر عندما أحيط بالمسلمين، وإنما يثبت، ويقول ” إليّ عباد الله، إليّ عباد الله” ويتناول الحربة وقت المعمعة، ويرمي بها أبي بن خلف عندما أقبل يقول أين محمد؟ لا نجوت إن نجا، فيهلك من طعنته، وهذا حمزة يصول صولة الأسد في ميدان المعركة، لا يعرض له أحد إلا قتله، حتى يلقى مصرعه غدرا بيد وحشي، ومصعب بن عمير حامل لواء المسلمين يجالد العدو حتى يستشهد أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندما أحيط بالمسلمين أصيب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو من ثلاثين رجلا، كلهم يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول وجهي لوجهك الوفاء، ونفسي لنفسك الفداء، وعليك سلام الله غير مودع، أما سعد بن الربيع، فقد أبى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة إلا أن يدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم حيّا وميتا، فقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم.

يوم أحد رجلا من الأنصار ينظر له سعد بن الربيع، وقال له إن رأيته، فأقرئه مني السلام، وقل له يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تجدك؟ فطاف الرجل بين القتلى، حتى أتاه وهو بآخر رمق، وفيه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم، فقال يا سعد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام، ويقول لك أخبرني كيف تجدك؟ فقال سعد وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قل له يا رسول الله، أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار لا عُذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عن تطرف، وفاضت نفسه من وقته، وقد عرف المسلمون لسعد بلاءه وجهاده، فقد دخل رجل على أبي بكر الصديق، وبنت لسعد بن الربيع صغيرة على صدره يقبلها، فقال له الرجل من هذه؟ قال بنت رجل خير مني سعد بن الربيع، كان من النقباء يوم العقبة، وشهد بدرا، واستشهد يوم أحد، وكما كانت أحد مجالا لإبراز بطولات الرجال، فقد كانت كذلك مجالا لإظهار بطولات النساء وصدقهن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock