مقالات

مصر بلا عنف أو تمييز

 

بقلم / د/ عائشة عبدالفتاح الدجدج

في الآونة الأخيرة أصبح العنف وعدم التسامح ظاهرة عالمية ملحوظة ، إذ تنتشر الصراعات بصور عديدة وعلى نطاق واسع، فمنها الصراعات السياسية والطائفية والدينية، لذلك أصبح السلام مطلبا وضرورة تنشدها كل المجتمعات الانسانية، وهو قضية تحظي باهتمام كل الدول وبات تحقيقه أولوية للعديد من الحكومات في مختلف أنحاء العالم، بهدف تقليل الصراعات والنزاعات سواء كانت إنسانية نسانية أم ثقافية أم اجتماعية، مما يسهم في رفع عجلة التنمية وتحقيق التنمية المستدامة.
واذا بقيت المشكلات المؤدية للصراع دون حل ، سوف يتصاعد النزاع وينتج عنه بعض أشكال العنف والتمييز والتي سرعان ما قد تصل إلى حد الإرهاب.
وصف ظاهرة العنف بالمجتمع المصري
…………………………
لقد مرت مصر على مر العصور بتجارب ضاربة في محاولة لتمزيق المجتمع المصري من الداخل ، ومن ثم إضعاف الدولة المصرية وإضعاف مكانتها، إلا أن خبرة الشعب المصري العريق، وتكاتف مؤسساته الدينيةمتمثلة في الأزهر الشريف والكنيسة القبطية حالت دون المساس بوحدة ووطنية المجتمع المصري، وقد سجل التاريخ المصري في ثورة 1919 وعلى مدار أربعة حروب خاضتها جمهورية مصر العربية بعد ثورة 1952 نماذج فريدة للوطنية والتحام الشعب المصري وصلابة مجتمعه.
وقد شهدت فترة نهاية الستينات من القرن الماضي نشاطا غير مسبوق لحركات الاسلام السياسي المتشددة والتي بدأت في الانتشار والتشعب داخل المجتمع المصري، واحتلت العديد من مناطق صناعة القرار في النقابات والاتحادات الطلابية بالجامعات والاتحادات العمالية، ، وعلى مدار خمسة عقود نجحت هذه الجماعات في بث روح الطائفية بين جموع المصريين، وأصبحت الأحداث الطائفية قاسما مشتركا يشهده المصريون كل عام ، واللافت للانتباه هو شيوع ثقافات غريبة على مجتمعنا، منها تحريم التهنئة بالأعياد، والترحم على الموتى، وإصدار الفتاوى من مصادر غير ذات مرجعية تبيح وتستحل أموال وأرواح وأعراض أصحاب الديانات المختلفة، وتكفير الآخر المختلف في الديانة.
ومن أهم أسباب انتشار مظاهر العنف والتوتر في المجتمع ما يلي :
1- ضعف قدرات منظمات المجتمع المدني في تعزيز ثقافة قبول الآخر في المجتمع، وتشجيع السلوكيات الداعمة لفكرة قبول الاختلاف والعمل المشترك وترسيخ مفاهيم وقيم المواطنة.
2- تراجع دور المؤسسات التعليمية والتثقيفية والفنية ( مؤسسات تربية الوجدان ) في مواجهة موجات التطرف والتمييز وتقصيرها في ابتكار وانتاج وتقديم أفكار ونماذج داعمة لفكرة قبول الآخر والتسامح وحتمية التعايش السلمي لبناء مجتمع واعي بحقوقه وواجباته.
3- قصور دور المؤسسات الدينية في تقديم خطاب ديني معتدل متجدد بشكل يعزز ثقافة قبول الآخر المختلف رغم وفرة النصوص والمرجعيات التاريخية، وغرس قيم المحبة والتسامح والمساواة بين المواطنين، وكذلك دور المؤسسات الحكومية في التأسيس لدولة سيادة القانون والاحتكام الى مرجعية واحدة وهي المواطنة دون تمييز على أساس ديني أو جنسي أو عرقي.
4- ضعف قدرة المؤسسات الاعلامية في تعزيز ثقافة قبول الآخر وتقديم نماذج مشرفة للعمل المشترك في صالح خدمة الوطن والانسانية.
*مناهضة العنف والتمييز في الدستور والقانون
………………………
يعد الدستور المصري المرجعية القانونية العليا في مصر تليه القوانين ، واللوائح ، والقرارات ، ودستور جمهورية مصر العربية الصادر في 2014 يحث على المواطنة والمساواة وعدم التمييز والعدالة الاجتماعية وبكامل الحرية، ويتضح ذلك في المواد الآتية من القانون :
– تضمن الدستور مواد تقر المواطنة والمساواة بين المواطنين المصريين وتجريم التمييز حيث نصت المادة الأولي من الدستور على أن نظام الدولة يقوم على أساس المواطنة.
– تلزم المادة (9) الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين المواطنين دون أي تمييز ، كما تم لأول مرة “اعتبار إرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز ” من أهداف التعليم وقد نتج منه النص على تدريس الجامعات لحقوق الانسان.
– تنص المادة (11) من الدستور على أن تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقاً لأحكام الدستور.
– عرفت المادة (53) التمييز الذي جرم في العديد من مواد الدستور أنه التمييز الحاصل بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو الموقع الجغرافي أو المستوي الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو لأي سبب أخر.
– كفلت المادة (59) الحياة الآمنة كحق لكل إنسان وألزمت الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها.
– تحظر المادة (89) كل صور العبودية والاسترقاق والقهر والاستغلال القسري للإنسان وتجارة الجنس ، وغيرها من أشكال الإتجار في البشر ، ويجرم القانون كل ذلك.
– جرمت المادة (99) كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ، وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون.
* استراتيجيات وآليات بناءالسلام
……………………………
تتعدد آليات واستراتيجيات بناء السلام ، فإذا كان البناء المادي للمجتمعات ضروري لبناء السلام ، كذلك فالبناء الاجتماعي والثقافي مهم جداً ويحتاج جهداً كبيراً من كافة قطاعات المجتمع لتحقيقه.
فبناء السلام يحتاج إلى تبني وتنفيذ استراتيجيات اجتماعية وثقافية ، وسياسية واقتصادية وأمنية
١. الاستراتيجية الاجتماعية الثقافية :
بناء السلام في المجتمع لا يمكن أن تقوم به الحكومة بمفردها ، بل يستلزم مشاركة كل الجهود المجتمعية بالمجتمع المحلي كالمؤسسات الدينية والتعليمية والتربوية، ومؤسسات المجتمع المدني من جمعيات أهلية ومنظمات وأحزاب ورجال دين ، أيضاً وسائل الإعلام المختلفة التي تلعب دوراً كبيراً في تشكيل الوعي والرأي العام في المجتمع.
كما أن نشر ثقافة حقوق الإنسان ومعرفة كل فرد في المجتمع لحقوقه وإدخالها في ثقافته وتحويلها الى واقع معاش، تعزز فهمه لحقوقه والحفاظ عليها ، وتجعله يشعر بالكرامة والحرية مما تدفعه للمشاركة بفاعلية في بناء مجتمعه والعمل على تنميته والنهوض به.
٢.الاستراتيجية السياسية والقانونية :
التعايش السلمي وبناء السلام يحتاج إلى عدد من المتطلبات وتأتي في مقدمتها المتطلبات السياسية والقانونية ، فمن الناحية السياسية فإن المشاركة في الحياة السياسية وتفهم الأفراد للعمل السياسي وأهمية المشاركة السياسية والقبول بتوزيع السلطة، يعد كله متطلباً أساسياً لاكتمال التعايش ، أما الجانب القانوني فإن تطبيق القانون وعدم الاقصاء والتمييز وإشاعة ثقافة احترام القانون تشكل عاملاً مهما لتحقيق التعايش وبناء السلام في المجتمع ، وكي تتحقق الاستراتيجية السياسية فلابد من تحقيق ما يلي :
– أن تقوم أجهزة الدولة على أساس الكفاءات بعيداً عن المحاصصات الطائفية التي تثير النزاعات والاختلافات.
– التركيز على دور رجال الدين في نشر مفاهيم الرحمة والسلام والتسامح، ومشاركتهم بصفة أساسية في المؤتمرات والحوارات الثقافية.
– نشر ثقافة إدارة التنوع التي تعد من أهم الأبعاد السياسية التي تهيئ وتساعد الساحة السياسية على التعاطى بموضوعية مع الرأي المخالف، وتحترم قدرات المعارضة لتوظيفها لغرض بناء السلام المجتمعي.
– أن يكون هناك تحاور متواصل بين كل الطوائف ويكون مبنياً على المصالح المشتركة لا على مصلحة طرف دون آخر ، ويؤدي هذا التحاور إلى إشاعة جو من الحب والتعايش بعيدا عن المشاحنات والخلافات.
. تبني مفهوم الحكم الرشيد في جميع المؤسسات وإدارة الشئون العامة بطريقة محددة تتصف بالرشادة ومعايير محددة للحكم الرشيد منها :
سيادة القانون : بمعني أن يكون القانون مرجعية الجميع ، سائد ومطبق على جميع المواطنين دون استثناء.
الاستجابة لمطالب المواطنين : بحيث تكون أولوياتهم وحاجاتهم مسموعة ويستجيب لها متخذو القرار.
المساواة : بحيث يكون هناك إنصاف ومساواة في توزيع موارد الحكومة على المواطنين وأن تكون الحكومة عادلة ومنصفة.
المصلحة العامة : تفضيل مصلحة المواطنين والمجتمع على المصلحة الشخصية لبعض الأفراد.
٠ المشاركة : أي مشاركة جميع المواطنين بإبداء الرأي والمشاركة في صنع القرار مع ضمان الحرية السياسية.
٠ النزاهة ونظم المساءلة والمحاسبية ومبادئ الشفافية
٣. الاستراتيجية الاقتصادية
لكي يكون هناك تعايش سلمي فلابد من توفير سبل العيش التي من دونها سنكون أمام مجتمعات فقيرة يتفشى فيها العنف وعصابات الجريمة المنظمة ، لذلك لابد من توفير سبل العيش الكريم القادرة على تلبية احتياجات الافراد اليومية من خلال وجود اقتصاد قادر على توفير فرص عمل واستثمار للموارد البشرية والمادية بالإضافة الى الامن الغذائي والضمان الاجتماعي.
٤. الاستراتيجية الأمنية :
لاشك أن وجود الأمن الوطني لأي دولة هو أساس بناء السلام بها خاصة لو أن هناك تهديدات إقليمية تواجههاً لذلك لابد من إصلاح الأجهزة العسكرية والأمنية والانتقال بها إلى استراتيجيات عمل تتناسب مع التهديدات والمخاطر التي تواجه الدولة.
الآليات :
……………
٠ بناء قدرات رجال الدين في مجال الدعوة والخطاب الديني
والمقصود هنا بتجديد الخطاب الديني هو إيجاد أو استحداث لغة مناسبة للعصر وضروراته يقدم بها الدين إلى الناس في الداخل والخارج من أجل مزيد من التفاهم والتعايش والوعي.
٠ تحصين مجتمعاتنا ضد أمراض التطرف وجراثيم فكر العنف.
٠ تفعيل القواسم المشتركة بين الأديان والمذاهب.
٠ ربط التعليم بالمهارات الحياتية للوقاية من العنف :
يشكل الشباب وطلاب الجامعات الشريحة الأكبر والأوسع انتشارا والأكثر تأثيراً في مستقبل الأمة ، وهم في هذه المراحل العمرية لديهم إستعداد لتقبل وتلقي الأفكار والتفاعل معها مما يؤسس إلى قبول التعددية والتنوع والاختلاف ، وإذا كان هدف التعليم دعم الجانب المعرفي لدى الطلاب، فلابد وأن يمتد إلى ربط التعليم بالمهارات الحياتية للوقاية من العنف وبناء ثقافة السلام ، وحرص المربين على على الاهتمام بمواقف الأبناء وتصوراتهم عن مفاهيم السلام والتعايش السلمي وقبول الآخر والعدالة والمساواة من أجل التمكن من مواجهة وإدارة الأزمات وحل المشكلات المؤدية للصراع دون حل.
٠ تعزيز مهارات رجال الدين في قضايا النوع الاجتماعي :
رجال الدين هم الأكثر تأثيراً في الناس نظراً لما يتحكمون به من ثقة عالية موروثة عبر الأجيال ، وهذا يعني بأنهم قدوة للجميع وأقوالهم وأفعالهم هي التي تزيد من هذه الثقة أو تنهيها، فالدين يدعو للمساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات ، دون النظر إلى دين أو عقيدة أو جنس أو لون. ومن هنا يأتي دور رجال الدين في توضيح بعض القضايا الخاصة بالمرأة والرد على الادعاءات الخاطئة فيما يتعلق بحقوق المرأة في الشرعية والاتفاقات الدولية التي صدقت عليها مصر.
٠ تيسيرالحوار المجتمعي:
الحوار المجتمعي هو آلية للتواصل والتحاور بين الأطراف المؤثرة والفاعلة والمعنية بقضايا المجتمع وهم ( متخذوا القرار ومؤسسات المجتمع المدني من جمعيات أهلية وأحزاب ونقابات ) ، وتمنحهم الفرصة لمناقشة المشكلات والاحتياجات والقضايا المجتمعية في جو هادئ وآمن وفي كنف التعايش واحترام الأخر والتعددية الثقافية، وتمكنهم من معالجة بعض القضايا المجتمعية مثل :
– رعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والاساءة وسوء المعاملة والاستقلال الجنسي والتجاري.
– منع التمييز ضد المرأة والنهوض بأوضاعها وتمكينها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا أحد الوسائل الأساسية لمنع ومكافحة العنف ضدها.
التصدي للممارسات الضارة التقليدية مثل ختان الاناث والزواج المبكر وقتل الأطفال الاناث أو إهمالهم وحرمان الفتيات أو النساء من التعلم.
*مواجهةالعنف الاجتماعي الاقتصادي والذي يتمثل في:
٠ التمييز أو الحرمان من الفرص كالابعاد أو الحرمان من التعليم
٠التمييز في الحصول على الخدمات والحقوق المدنية
٠ الممارسة التشريعية المعوقة
٠العنف الأسري وأهمية التصدي للعنف الذي يحدث داخل الأسرة ويهدد الأمن المجتمعي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock