دين ودنيا

وقفه مع الحق فى القرآن الكريم ” الجزء الرابع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع الحق فى القرآن الكريم، فإن البشر يحتاجون إلى أدلة وبينات، ” وإنما كان الذى أوتيت وحيا أوحاه الله إليّ، وهذه آيتي ومعجزتي، فأرجوا أن أكون تابعا يوم القيامة ” لأن آيته ومعجزته مستمرة إلى قيام الساعة، وأيضا جعل الله تعالى على الحق براهين، وأدلة، كما قال تعالى فى سورة الأنعام ” قل فلله الحجة البالغة” فهذا القرآن لا يمكن أن يكون من تأليف بشر، وقد حاول البشر فى كل العصور السابقة واللاحقة الإتيان بمثله، وجرت محاولات، حتى من بعض نصارى العرب الذين كانوا متضلعين باللغة العربية، حاولوا، وما استطاعوا، وهنا يقول الله تعالى كما جاء فى سورة يونس ” قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون ” ومن التأييد الإلهى للحق تأييده بالدعاة المخلصين، فكما أيدّه بالرسل الصادقين، والكتب المنزلة، أيدّه بالدعاة المخلصين، والله يقيض للحق مَن يقوم به، ويدعوا إليه، وينصره، ويدافع عنه، وهذا من رحمة الله عز وجل، ولوا انطمس، فهو القائل سبحانه وتعالى فى سورة الأحزاب ” ومن المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ” وأيضا نلاحظ كذلك قصة مؤمن آل يس كما وصفها لنا الله عز وجل فى سورة يس ” وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين، اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون، ومالى لا أعبد الذى فطرنى وإليه ترجعون، أأتخذ من دونه ألهة إن يردن الرحمن بضر لا تغنى عنى شفاعتهم شيئا ولا ينقذون، إنى إذا لفى ضلال مبين، إنى آمنت بربكم فاسمعون”

وكذلك فى قصة مؤمن آل فرعون، كما قال الله تعالى فى سورة غافر” وقال رجل مؤمن من آل فرعون ” إلى قوله تعالى ” وإن يك صادقا يصبكم بعض الذى يعدكم ” أنتم يا قومي، فكذلك يا أيها القبط، ليس عندكم رسالة، والذى يتبعها يدخل الجنة؟ والذي لا يتبعها يدخل النار؟ ليس عندكم، أنتم أصحاب دنيا، فجاء رجل وقال أنا رسول من الله، ” واتبعون أهدكم سبيل الرشاد ” إذا اتبعتمونى تدخلون الجنة وإذا لم تتبعتموني فستدخلون النار، يا قوم هذا الرجل يقول ” ربى الله وقد حاءكم بالبينات من ربكم ” يعنى معه أدلة ما هو كلام بالادعاء فقط، ” وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذى يعدكم ” وإننا نلاحظ أيضا أن التأييد الإلهى كان حاضرا موجودا في التحركات النبوية، حتى مع الأخذ بجميع الأسباب، مثلا أنه كم أخذ النبى صلى الله عليه وسلم سببا في الهجرة؟ وتواعد مع أبي بكر الصديق رضى الله عنه سرا، وأخفي الأمر عن كثير من أهله، والتقيا في وقت القيلولة، وهدأت الرجل، وخرجا في هذا الوقت، واستعملا هاديا خرّيتا خبير بالطريق، وسلك غير الطريق المعتاد، يعنى ليس على طريق مكة المدينة مباشرة، وصار في اختباء في الغار، وصار هناك مَن يزود بالطعام، وصار مَن يأتي بغنمه ليعفي آثار خطوات الطريق، ومع ذلك كان التأييد الإلهى حاضرا، فإن المشركين وصلوا إلى الغار، رغم كل الخطوات، دلالة على أنه لولا أن الله نجاهما منهم ما كانت الأسباب كافية، أي أنه رغم كل الأسباب إلا أنه كان هناك تأييد إلهى في الموضوع، ولذلك نقول اتخذ الأسباب.

وتوكل على الله، لأن عدم الأخذ الأسباب مخالفة للسنة الكونية الإلهية، وبأسباب بدون توكل تخفق، ومهما كنت دقيقا فلا بد أن تخطئ، وتكون هناك مفاجآت، فالتأييد الإلهي للحق وأصحابه حاضرا جليا حتى مع الأخذ بالأسباب فانظروا عندما قال ابو بكر الصديق رضى الله عنه “يا رسول الله لو أن أحد نظر تحت قدميه لأبصرنا”، قال صلى الله عليه وسلم “فما ظنك يا أبا بكر باثنين، الله ثالثهما “رواه البخارى، وحتى في الهجرة لحقهما، مع أنهم نجوا من أول خطر، لحقهما سراقة ابن مالك، وأدركهما، خلاص، ولولا أن الله تعالى نجاهما منه لقبض عليهما، وأعادهما إلى قريش، وأيضا يوم بدر اتخذت كل ما أمكن من الأسباب، لكن كان التأييد الإلهي حاضرا، فيقول تعالى كما جاء فى سورة الأنفال ” فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ” وقال تعالى أيضا ” وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ” وقال سبحانه وتعالى أيضا فى سورة آل عمرام ” ولقد نصركم الله فى بدر وأنتم أذلة ” وكذلك يوم الأحزاب، يعنى صحيح حفر الخندق، ووضعت الحراسات، ووضع النساء والأطفال في الأطم، والحصون، وولى عليها مَن ولى من غلمان المسلمين، ومع ذلك لم يتم النصر إلا بإرسال الله ريحا أطفئت نيرانهم، وكفأت قدورهم، وقلعت خيامهم، وهناك جنود، فقال تعالى فى سورة الأحزاب ” فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ” فحصلت النتيجة المرجوة، فقال تعالى ” ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا حيرا وكفى الله المؤمنين القتال” وصار في نصر آخر بعده مباشرة الذى هو فتح بنى قريظة.

فقال تعالى ” وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها ” إذن من رحمة الله تعالى هو المصدر الإلهى والتأييد الإلهى، وهذا التأييد الإلهى، يعنى لو تصور عاد الحق ما في رسل صادقين، ولا دعاة مخلصين، ولا كتب منزلة، كيف يكون الوضع؟ ولا كرامات، تأييد بجنود من عنده، لازم يستشعر الإنسان المعانى الإيمانية في موضوع الحق، فالحق ليست قضية علمية فقط، بل قضايا إيمانية وقلبية، فإن الآن في غمرة الأحداث التي تدور في العالم العربي، تجد في بعض الوفيات آيات باهرات، وكرامات، فعلا، مع نقل المشاهد في عالم اليوتيوب وغيره، في قضية الخاتمة، والنهاية، والشهادة في الموت، ستجد أن هناك أشياء باهرة واضحة، تثبت المؤمنين، انظر كيف مات هذا ؟ وعلى أي شيء؟ وبماذا نطق؟ وماذا قال قبل أن يموت؟ وهذا حاله مثلا أن هناك طعن في جثته، وحرقها، وهذا رفع أصبعه، وهذا بيده المصحف، وهناك شواهد كثيرة ومتعددة فى النهاية والخاتمة، يقيّضها الله عز وجل ليبين للناس الحق، ويثبتهم عليه، فقد أسلمت ماشطة ابنة فرعون، ويعنى الكوافيرة، على يد نبى الله موسى عليه السلام، وأخفت إسلامها سرا، فبينما كانت الماشطة تمشط ابنة فرعون، إذ وقعت المادرة من يدها مرة، فقالت بسم الله، وعرفنا من الأدلة أن الإنسان إذا أصيب بصدمة مفاجئة، كأن يتعرض لحرق أو سقوط مفاجئ، أن يقول بسم الله، كحديث طلحة، عندما اصيب بسهم قطع أصابعه، قال حس، كلمة تقولها العرب عند الألم، فالنبى صلى الله عليه وسلم قال ” لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة، والناس “رواه النسائى.

فقالت المرأة الماشطة عندما وقعت المادرة من يدها أمام ابنة فرعون”بسم الله” قالتها فجأة، وانطلق اللسان بها من غير تخطيط لأنها تخفى إيمانها، فانتبهت ابنة فرعون عندما سمعت، وقالت بسم الله؟ الله أبي، قالت الماشطة ربي ورب أبيك الله سبحانه وتعالى، فأخبرت بها ابنة فرعون، فأخذت المرأة، وأولادها، فأمر بأولادها، فألقوا بين يديها واحدا واحدا، ولا أصعب على المرأة من أن ترى أولادها يُلقون أمامها في الموت، ثم تلقى ورائهم، ومع ذلك ثبتت، فإن هذه القصة ثبّت الله بها، ولا زال يبّث الله بها، لأن قصة الغلام المؤمن، وقصة ماشطة ابنة فرعون، وغيرها من القصص كل هذه مثبّتات ستبقى إلى قيام الساعة، إلى أن انتهي ذلك إلى صبي لها مرضع، ومرضع، وكأنها تقاعست من أجله، قال يا أماه، اقتحمي، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فاقتحمت، فعندما يهيئ الله للحق أئمة يثبتون، مثل الإمام أحمد بن حنبل فقد ابتلى، وضُرب، وسُجن، ومُنع، وأوذى، وعرّض للقتل مرارا؟ وكاد أن يموت، فكانت كلماته ومواقفه تثبت الناس، وكذلك يقيد الله من الذين يقاتلون عن الحق من يثبت إلى أن يُقتل، صحيح أن يذهب القائد عمر المختار، والناس في حاجة إليه، وترك فراغا، لكن بقيت سيرته، وبقي الحدث، يثبت الله به الناس، وهكذا، إذن هذا تأييد إلهى من خلال الدعاة الصادقين، والمواقف، هذا لمعرفة الحق والثبات عليه، فإن الحق فيه فصل بين الأمور، فكثيرا ما تشتبه، وتختلط الأمور على الناس، أو على بعض الناس، فنحتاج للحق لفصل النزاعات، فيعلنما الله عز وجل فى كتابه الكريم.

فيقول كما جاء فى سورة الأعراف ” ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين” وخير الحاكمين، والله سبحانه وتعالى سمى يوم القيامة يوم الفصل، فقال تعالى فى سورة الدخان” إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين” فهو خلص يفصل بين أهل الحق، وأهل الباطل، ويقضى في محكمة إلهية يوم القيامة، فيقول تعالى فى سورة المرسلات ” لأى يوم أجلت، ليوم الفصل” فيفصل بين أهل الشر وأهل الإيمان، والتوحيد، ويفصل بين أهل البدعة، وأهل السنة، يفصل بين الظالم والمظلوم فيه، يوم الفصل فرقان، فرقان، والحق يفصل، والباطل يغمغم، الباطل يغمغم، لفلفة الأمور، تغطية الأمور، سبق الأمور، وتجد تعمد بعض الناس للخلط، تعمد الخلط، مات فلان الفلانى ويكون كافر ولكن يقال رحمه الله، وهكذا يقال الخبر، فما هذه؟ كافر ثم يرحمه الله كيف صارت؟ فهذا تعمد خلط الأمور، حتى ما يعنى، أنه يجي واحد يعنى، بأن الحق خلاص، لا يسمع به كافر، ثم لا يؤمن به إلا دخل النار، فما فى يرحمه الله، ولكن هى أنه يدخله النار، يدخله النار، لأنه كافر ومشرك وموحد بالله، والناس وأمرهم إلى الله، ما يجوز نترحم على كافر، فالترحم على كافر في الخبر ما هو؟ خلط للأمور، وما كان الله ليذر هذا حتى يميز، كما قال الله تعالى فى سورة آل عمران ” ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب” وقال تعالى ” وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين” وأما يعنى أهل الباطل ما تطلع بنتيجة؟ فيمكن يقضي مرة هكذا، ومرة هكذا، ومرة، كما قالت العرب في أمثالها وجدت الضبع تمرة فاختلسها الثعلب.

فلطمته فلطمها فتحاكما إلى الضبع وقال يا أبى الحسن، قال سميعا دعوتي، قالت إني التقطت تمرة، قال حلوة جنيت، قالت إن الثعلب أخذها، قال حظ نفسه بغي، قال فلطمته، قال أسفتي والبادي أظلم، قال فطمني، قال حر انتصر لنفسه، قالت اقضي بيننا، قال قد قضيت، ما في نتيجة؟ فإما أن يكون باطل، وإما غمغمة، وكذلك فإن الحق يتصف بالقوة، فالحق قوي، الحق ليس ضعيفا، فقال تعالى فى سورة الأنبياء ” بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق” ومعنى يدمغه أى يهلكه، ويقال دمغ الرجل الرجل، شجه شجتا بلغت الدماغ، فإذا هو زاهق أى هالك، زائل، مضمحل، وإن أهل الحق بالقوة الذى معهم يثبتون، فقال تعالى فى سورة إبراهيم ” يثبت الله الذين آمنوا” وقال تعالى فى سورة البقرة ” كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة ” وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ولا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله ” رواه مسلم، لماذا لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم؟ لماذا ظاهرين؟ لقوة الحق الذي معهم، ما هو لقوت السلاح فقط الذي معهم، لقوة الحق الذي معهم، فإذاً الحق قوى، الحق ليس ضعيفا، ولا يحتاج أن نعتذر عن التمسك بالحق، ولا أن نقدم مبررات، ومصوغات، لسنا على جناية، ولا على شيء يخجل منه، لا، هذا شيء يفتخر به، وإن من صفات الحق هى الخيرية، فإن الحق ملازم للخير دائما، لا ينفصم عنه، مفارق للشر دائما لا يلتقي معه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock