دين ودنيا

الدكروري يكتب عن بشّر الليل بصبح صادق

الدكروري يكتب عن بشّر الليل بصبح صادق
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ما أجمل أن تتربى على انتظار الفرج لأنه لا محالة قادم، فتنال أجر انتظاره، وتفوز بسعادة وصوله، فإن مع العسر يسرا، فبعد الجوع شبع، وبعد الظمإ ري، وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية، وسوف يصل الغائب، ويهتدي الضال، ويفك العاني، وينقشع الظلام ” فعسى الله أن يأتي بالفتح أو بأمر من عنده” بشّر الليل بصبح صادق سوف يطارده على رؤوس الجبال ومسارب الأودية، بشّر المهموم بفرج مفاجئ يصل في سرعة الضوء ولمح البصر، بشّر المنكوب بلطف خفيّ وكفّ حانية وادعة، وإذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد، فاعلم أن وراءها رياضا خضراء وارفة الظلال، وإذا رأيت الحبل يشتد ويشتد، فاعلم أنه سوف ينقطع مع الدمعة بسمة، ومع الخوف أمن، ومع الفزع سكينة، فلا تضق ذرعا، فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة انتظار الفرج.

والأيام دول، والدهر قلب، والليالي حبالى، والغيب مستور، والحكيم كل يوم هو في شأن، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، وإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا، وقال أحد السلف كنت في طريق الحجاز، فعطش الناس في مفازة تبوك، فنفذ الماء ولم يوجد إلا عند صاحب لي جمّال، فجعل يبيعه بالدنانير بأرفع الأثمان فجاء رجل كان موسوما بالصلاح عليه قطعة نطع يحمل ركوة، ومعه شيء من دقيق فتشفع بي إلى الجمّال أن يبيعه الماء بذلك الدقيق، فكلمته فأبى عليّ ثم عاودته فأبى، قال فبسط الرجل النطع ونثر عليه الدقيق ثم رمق السماء بطرفه وقال إلهي أنا عبدك وهذا دقيقك ولا أملك غيره، وقد أبى أن يقبله، ثم ضرب بيده النطع وقال وعزتك وجلالك لا برحت حتى أشرب فوالله ما تفرقنا حتى نشأ السحاب وأمطر في الحين فشرب الماء ولم يبرح.

فكان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “رُبّ ذي طمرين لا يُؤبه له مطروح بالأبواب لو أقسم على الله لأبّره” وقيل استأجر الحسن البصري رحمه الله يوما حمّالا ليحمل متاعه من السوق إلى البيت فكان يسمعه طوال الطريق يردد كلمتين لا يزيد عليهما الحمد لله، أستغفر الله، فلمّا وصل بيته وأعطاه أجره سأله عن ذلك؟ فأجاب أنا في حياتي كلها مع الله بين أمرين، نعمة الله عليّ تستحق مني الحمد، وتقصيري في حق ربي يستحق الاستغفار، فضرب الحسن كفا بكف وقال “حمال أفقه منك يا حسن” إن ذروة عطاء الله للعبد ليست السعادة، فالسعادة شعور مؤقت زائل وإنما ذروة عطاء الله للعبد هي الرضا، فالله سبحانه لم يقل لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولسوف يعطيك ربك فتسعد، وإنما قال ولسوف يعطيك ربك فترضى.

ولنعلم جميعا أن هناك ليلتان اثنتان يجعلهما كل مسلم في ذاكرته، وهما ليلة في بيته، مع أهله وأطفاله، منعما سعيدا، في عيش رغيد، وفي صحة وعافية، ويضاحك أولاده ويضاحكونه، والليلة التي تليها، بينما الإنسان يجر ثياب صحته منتفعا بنعمة العافية، فرحا بقوته وشبابه، إذ هجم عليه المرض، وجاءه الضعف بعد القوة، وحل الهم من نفسه محل الفرج، فبدأ يفكر في عمر أفناه، وشباب أضاعه، ويتذكر أموالا جمعها، ودورا بناها، ويتألم لدنيا يفارقها، وذرية ضعاف يخشى عليهم الضياع من بعده، وقد استفحل الداء، وفشل الدواء، وحار الطبيب، ويئس الحبيب، ونزلت به السكرات، وصار بين أهله وأصدقائه ينظر ولا يفعل، ويسمع ولا ينطق، يقلب بصره فيمن حوله، من أهله وأولاده، وأحبابه وجيرانه، ينظرون إليه وهم عن إنقاذه عاجزون.

ولا يزال يعالج سكرات الموت، ويشتد به النزع، حتى إذا جاء الأجل، ونزل القضاء، فاضت روحه إلى السماء، فأصبح جثة هامدة بين أهله، وعند موت الإنسان تظهر عليه علامات تدل على موته، وهذه العلامات تبين وتوضح خاتمة الإنسان المتوفى، فمنها ما تكون خيرا ترتاح لها النفس وتستبشر بها، ومنها ما هو سيئ والعياذ بالله، وهناك، ينقسم الناس عند الموت وشدته، والقبر وظلمته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock