دين ودنيا

الإمام الحلاج

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الإمام الحلاج هو شاعر ومتصوف من أصل فارسي، ونال شهرة واسعة وأتباعا كثيرين بوصفه معلما قبل أن يتورط بالدخول في معترك السياسة في البلاط العباسي، فتم إعدامه بعد التضييق عليه بتهم دينية وسياسية، فهو أبو المغيث الحسين بن منصور الحلاج وهو شاعر صوفي من شعراء الدولة العباسية، ويُعد من روّاد أعلام التصوف في العالم العربي والإسلامي، واشتهر بقوله أنا الحق، والذي اعتبره الكثيرون ادعاء بالألوهية، بينما فسره آخرون على أنه حالة من إبادة الأنا، والسماح لله بأن يتكلم من خلاله، واكتسب الحلاج عددا كبيرا من الأتباع كخطيب قبل أن يتورط في صراعات السلطة مع البلاط العباسي والتي تم أعدامه على أثرها بعد فترة طويلة من الحبس بتهم دينية وسياسية، وعلى الرغم من أن معظم معاصريه الصوفيين لا يوافقون على أفعاله، إلا أن الحلاج أصبح فيما بعد شخصية رئيسية في التقليد الصوفي.

وسُئل ابن تيمية سؤال نصه ما تقول السادة العلماء رضي الله عنهم في الحلاج الحسين بن منصور هل كان صديقا ؟ أو زنديقا؟ وهل كان وليا لله متقيا له؟ أم كان له حال رحماني؟ أو من أهل السحر والخزعبلات؟ وهل قتل على الزندقة بمحضر من علماء المسلمين؟ أو قتل مظلوما ؟ أفتونا مأجورين ؟ فأجاب ابن تيمية قائلا “الحمد لله رب العالمين، الحلاج قتل على الزندقة التي ثبتت عليه بإقراره وبغير إقراره والأمر الذي ثبت عليه بما يوجب القتل باتفاق المسلمين ومن قال إنه قتل بغير حق فهو إما منافق ملحد وإما جاهل ضال، والذي قتل به ما استفاض عنه من أنواع الكفر وبعضه يوجب قتله فضلا عن جميعه، ولم يكن من أولياء الله المتقين، بل كان له عبادات ورياضات ومجاهدات بعضها شيطاني وبعضها نفساني وبعضها موافق للشريعة من وجه دون وجه، فلبس الحق بالباطل وكان قد ذهب إلى بلاد الهند وتعلم أنواعا من السحر وصنف كتابا في السحر معروفا.

وهو موجود إلى اليوم وكان له أقوال شيطانية ومخاريق بهتانية” والحسين بن منصور بن محمى الملقب بالحلاج يعتبر من أكثر الرجال الذين اختلف في أمرهم، وهناك من وافقوه وفسروا مفاهيمه، وهو من أهل البيضاء وهناك خلاف حولها هل هي البلدة التي ببلاد فارس، أم البلدة التي في جنوب العراق وهو ما رجحته الدراسات الأكاديمية، وقيل سبب تلقيبه الحلاج أنه كان حلاج الأسرار، أي يُخبر عن أسرار الناس، وقيل إن السبب أنه ذهب إلى دكان حلاج وأراده أن يعمل له عملا، فاعتذر الندّاف بأنه يحلج في دكانه، فقال له أبو مغيث الحلاج أنا أبقى في دكانك أحلج وأنت تذهب لقضاء عملي، والتصوف عند الحلاج جهاد في سبيل إحقاق الحق، وليس مسلكا فرديا بين المتصوف والخالق فقط، ولقد طور الحلاج النظرة العامة إلى التصوف، فجعله جهادا ضد الظلم والطغيان في النفس والمجتمع ونظرا لما لتلك الدعوة من تأثير على السلطة السياسية الحاكمة في حينه.

وعن إبراهيم بن عمران النيلي أنه قال سمعت الحلاج يقول النقطة أصل كل خط، والخط كله نقط مجتمعة، فلا غنى للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط وكل خط مستقيم أو منحرف هو متحرك عن النقطة بعينها، وكل ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين وهذا دليل على تجلي الحق من كل ما يشاهد وترائيه عن كل ما يعاين، ومن هذا قلت ما رأيت شيئا إلا رأيت الله فيه، وقال أبو بكر بن ممشاذ حضر عندنا بالدينور رجل ومعه مخلاة، فما كان يفارقها بالليل ولا بالنهار، ففتشوا المخلاة فوجدوا فيها كتابا للحلاج عنوانه من الرحمن الرحيم إلى فلان بن فلان فبعث به إلى بغداد فسئل الحلاج عن ذلك فأقر أنه كتبه فقالوا له كنت تدعي النبوة فصرت تدعي الألوهية والربوبية؟ فقال لا ولكن هذا عين الجمع عندنا، هل الكاتب إلا الله وأنا واليد آلة؟ فقيل له معك على ذلك أحد ؟ قال نعم، ابن عطاء وأبو محمد الجريري وأبو بكر الشبلي، فسئل الجريري عن ذلك.

فقال من يقول بهذا كافر، وسئل الشبلي عن ذلك فقال من يقول بهذا يمنع، وسئل ابن عطاء عن ذلك فقال بقول الحلاج في ذلك، فعوقب حتى كان سبب هلاكه، وحكى ابن كثير أنه قد اتفق علماء بغداد على كفر الحلاج وزندقته وأجمعوا على قتله وصلبه، وقال أبو بكر الصولي قد رأيت الحلاج وخاطبته فرأيته جاهلا يتعاقل وغبيا يتبالغ وفاجرا يتعبد، ونشأ في مدينة واسط التي تبعد بحوالي مائة وثمانين كيلومترا جنوب بغداد في العراق، وصحب أبا القاسم الجنيد وغيره ويقول الدكتور علي ثويني في الأصل العراقي للحلاج وبالرغم من اقتران اسم الحلاج ببغداد فإنه لم يولد فيها وإنما ولد في أطراف واسط القريبة من جنوبها عام ثماني مائة وثماني وخمسين من الميلاد، في منطقة البيضاء التي يقال لها الطور وربما يكون ذلك الموضع يقع في تخوم وهي أهوار بالعراق التي تدعى البيضاء حتى يومنا هذا، ويؤكد مسقط رأسه هذا المؤرخ الاصطخري.

الذي عاصره وذكر ذلك ابن الجوزي في كتاب المنتظم، حيث ذكر الحسين بن منصور المعروف بالحلاج من أهل البيضاء، وهكذا فإنه عراقي المولد والمنشأ بالرغم من ادعاء البعض بفارسيته والتي لا يؤيدها منهج البحث التاريخي، ثم انتقل إلى البصرة قبل وروده بغداد وهو في الثامنة عشر من عمره، ولم ترضي فلسفته التي عبّر عنها بالممارسة الفقيه محمد بن داود قاضي بغداد، فقد رآها متعارضة مع تعاليم الإسلام، فرفع أمر الحلاج إلى القضاء طالبا محاكمته أمام الناس والفقهاء فلقي مصرعه مصلوبا بباب خراسان المطل على دجلة على يدي الوزير حامد بن العباس، تنفيذا لأمر الخليفة المقتدر في القرن الرابع الهجري بعد أن طال محاكمته سبع سنين واستتابه الخليفة فلم يرجع عن قوله، وروى إسماعيل بن علي الخطبي في تاريخه، قال وظهر أمر رجل يعرف بالحلاج يقال له الحسين بن منصور، وكان في حبس السلطان بسعاية وقعت به.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock