ثقافة

بَادَرَ قَبْلَ أَنْ تُغَادِرَ

 

بِقَلَم احمد قطب زايد

    قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : “وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ” (سُورَة الْعَنْكَبُوت ٦٤) يُخْبِرُنَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ حَقِيقَةِ الدُّنْيَا وَمَا هِيَ عَلَيْهِ ، وَيُبَيِّن غَايَتُهَا وَغَايَة أَهْلِهَا ، بِأَنَّهَا لَعِب وَلَهْو ، وَأَنَّ الدَّارَ الْآخِرَةِ لَهِيَ الْحَيَاةِ الْحَقِيقِيَّةِ الدَّائِمَة لَوْ كَانَ النَّاسُ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ لِمَا آثَرُوا دَار الْفِنَاء عَلَى دَارِ الْبَقَاءِ أَخِي الكريم قارئ المقال : أَعْلَم أنّ الْعَبْدُ مَتَى أَرَادَ التَّوْبَةَ وَالرُّجُوعِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فسيجده قَرِيباً مِنْهُ سَامِعاً لِصَوْتِه غَافِرا لِزَلَّتِه . 

فَبَادِرُوا قَبْلَ أَنْ تغادروا وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ- بَادِرُوا بِالتَّوْبَة تَجِدُون رباً عظيماً ، قريباً ، يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيُقْبَل التَّوْبَة ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُول : (قال اللَّه : يَا ابْنَ آدَمَ إنَّك مَا دَعَوْتنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَك عَلَى مَا كَانَ فِيك وَلَا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُك عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَك وَلَا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ إنَّك لَوْ أَتَيْتنِي بِقِرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكْ بِي شيئاً لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مغفرة) ، “قرابها يَعْنِي ملؤها” بَادِرُوا بِالتَّوْبَة وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، قَبْلَ أَنْ تغادروا الدُّنْيَا راحلين إلَى الْآخِرَةِ ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَالَ الْمُؤْمِن ، إذَا نَادَى الْمُنَادِي يَوْمَ الْحِسَابِ ، عَلَى أَهْلِ الصَّلَاةِ وَأَهْل قِيَامِ اللَّيْلِ ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) 

بَادِرُوا بِالصَّلَاة وَحَافَظَوا عَلَيْهَا ، وبقيام اللَّيْلِ قَبْلَ أَنْ تغادروا الدُّنْيَا ، بَادِرُوا بِالزَّكَاة وَالصَّدَقَة ، فَلَا يَنْفَعُكُم مِن مالكم إلَّا مَا قَدَّمْتُم بَادِرُوا بِبَرّ الوَالِدَيْن قَبْلَ أَنْ تغادروا ، فَقَد أَمَرَكُمْ اللَّهُ بِبِرِّهِمَا فَقَالَ تعالى: “وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” “النِّسَاء 36” ، بَادَرُوا إلَى حُسْنِ تَرْبِيَة أَبْنَائِكُم عَلَى حُبِّ اللَّهِ وَحُبِّ رَسُولِهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ، وَعَلَى التَّرْبِيَة الصَّالِحَة الْفَاضِلَةُ مِنْ الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَالِاسْتِقَامَة بَادِرُوا بَرْد الْأَمَانَات لِأَهْلِهَا ، وَأَدَاءُ الْحُقُوقِ لِأَصْحَابِهَا قَبْلَ أَنْ تغادروا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) النِّسَاء 58 بَادِرُوا بِالتَّوْبَة وَالْإِقْلَاعُ عَنْ الْكَذِبِ وَغِشِّ النَّاسِ فِي جَمِيعِ الْمُعَامَلَات ، فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، وَالْقَوْل وَالْفِعْل ، وَبَادِرُوا قَبْلَ أَنْ تغادروا ، يَا مَنْ تَقَعُونَ فِي جَرِيمَةٍ الزِّنَا ، وتهتكون أَعْرَاضِ النَّاسِ ، فَالْحَقّ يناديكم بِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾( سُورَةِ الْإِسْرَاءِ : 32) . سُبْحَانَك رَبَّنَا مَا أَرْحَمُك اللَّهُمَّ نَوِّرْ قُلُوبِنَا وَاشْرَح صُدُورَنَا ، وَاجْعَلْنَا مِنَ التَّائِبِينَ قَبْلَ أَنْ نغادر الدُّنْيَا اللَّهُمّ آمِين . قَالَ عَلَى بْنُ أَبِى طَالِبٍ : 

النَفسُ تَبكي عَلى الدُنيا وَقَد عَلِمَت إِنَّ السَلامَةَ فِيهَا تَركُ مَا فِيهَا 

لَا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُها إِلّا الَّتي كانَ قَبلَ المَوتِ بَانِيهَا 

فَإِن بَناها بِخَيرٍ طابَ مَسكَنُها وَإِن بَناها بَشَرٍّ خابَ بَانِيهَا 

أَموالُنا لِذَوي الميراثِ نَجمَعُها وَدورُنا لِخرابِ الدَهرِ نَبنيها

اللَّهُمَّ إنِّي قَدْ بَلَغَتْ اللَّهُمَّ فَأَشْهَد .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock