دين ودنيا

وقفه مع الحق فى القرآن الكريم ” الجزء السادس “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السادس مع الحق فى القرآن الكريم، ويعتبر الحق هو اسم من أسماء الله تعالى وصفة لازمة له، فقال تعالى ” ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلى الكبير” فالحق في هذه الاية الكريمة وهو يعني أن الله سبحانه وتعالى له واجب مستحق لازم على عباده الذين خلقهم وهو أن يعبدوه وحده ولا يشركوا من دونه شيئا، وأن يعلموا أن الله تعالى هو المستحق للعبادة والرجاء والدعاء والتوبة والإنابة، وأن كل ما سوى ذلك هو الباطل، فالذى يشرك بالله تعالى والعياذ بالله لا يؤدى حق الله تعالى على عباده، ومن لا يؤدى حق الله عز وجل يستوجب عقاب الله وعذابه وأما حق العباد على الله تعالى فقد بيّن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي رواه معاذ بن جبل أن لله تعالى حقا على العباد وهو أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا، كما أن للعباد حق على الله، وهذا الحق هو أن يدخل الله الجنة من لا يشرك به شيئا، وبلا شك فإن هذا الحق يختلف عن حقوق العباد في أنه غير لازم أو واجب على الله، وإنما يستلزم ذلك كمال الله تعالى وتنزيهه عز وجل، وكذلك فإن مفهوم الحق فى القانون فهو يأتي الحق بمعنى الواجب المقرر للأفراد والذي يمنحهم سلطة التصرف وفق ما يتيحه القانون في نطاق هذا الواجب المقرر، بحيث يحاسب كل من يعتدي على هذا الواجب المستحق للناس، وهذا التعريف هو التعريف القانوني لحقوق الأفراد، ويترتب على إثبات الحقوق للأفراد أن تكون لهم سلطة التصرف في حقوقهم دون أن ينازعهم أحد فيها.

ومثال على ذلك حقوق الإنسان في التملك والتصرف فيما يملكه من أموال وعقارات وغير ذلك، بحيث تكون له سلطة كاملة في التصرف فيها بيعا وشراء وتوكيلا وغير ذلك من دون أن يتدخل أحد فى قراراته ودون أن يعتدى على حقه في ذلك أحد، ومن يعتدى على هذا الحق يتعرض للمساءلة والمحاسبة أمام القانون، وأما عن العدل فإنه يعدّ العدل من أعظم القيم في الدين الإسلامي التي أمر الله تعالى بتطبيقها والتمسك بها، وفي القرآن الكريم عديدة توصى بالعدل، فقال الله تعالى ” إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون” وإن السيرة النبوية الشريفة مليئة بالقيم الرفيعة، ومثمرة بالأخلاق الحميدة، وهي زاد الخير للمسلمين، وزاد لكل المؤمنين، وإن العدل والقسط من أعظم القيم الزهيّة التي أمر الله تعالى بها، والتي سعى النبى الكريم صلى الله عليه وسلم لتطبيقها في المجتمع الإسلامي، فلا فضل لعربى على أعجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، ولقد تجلى الصراع فى هذا العصر بين الإٍسلام والكفر، فهذه الدول الكافرة توجه سهامها صوبكم، وهذه الجموع قد رمتكم عن قوس واحدة لدينكم وملتكم، ألا فليتق الله كل مسلم، وليصبر على البلاء وعلى شدة العدو، فإننا نرى الأعداء يجدون ويشدون، ونرى المسلمين في غفلتهم يعمهون، عن معاينة هذا التدافع والصراع، وعن الأخذ بأٍسباب القوة والحذر، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة النساء ” يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا” فإن الصراع اليوم جار حتى بين المسلم.

وبين المنافق من أبناء جلدته، وقد وضع الصليبيون بعد خروجهم من البلاد المستعمرة كوابيس وأخداما لهم ينشرون مخططاتهم مباشرة أو من وراء حجب لتحطيم المجتمع، ولقد انبرى لمحاربة الإسلام كثيرون بوسائل مختلفة فتحطموا، وتكسرت على حقيقته الثابتة نظرياتهم وجدلياتهم وأقوالهم المزخرفة، وتكشفت بنوره تزييفاتهم وأكاذيبهم وأباطيلهم، وظل الإسلام بحقه ونوره يتحدى كل مخالف له، ويصرع كل مصارع، ويطحن كل محارب، فيقول تعالى كما جاء فى سورة الصف ” يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون” فإنه موقف رهيب انفرد به هذا العصر، أن ينبعث أناس من أبناء جلدتنا ليطعنوا الدين باسم الدين، ويحاربوا الفضيلة، وينشرون الرذيلة، ولقد استخدم هؤلاء استخدام العبيد الرعاع لخدمة أعداء الدين وأعداء الوطن، في نشر الأفكار والأخلاق التي تناقض الإسلام وأخلاقه وهديه ولقد قامت صحف ومجلات وكتاب يهاجمون ما أسموه التقاليد، وهم يقصدون الدين الإسلامى الذي ورثه المسلمون عن آبائهم وأجدادهم وينادون بضرورة تحطيمها وتخليص المجتمع من أغلالها، ومما ركزوا عليه تحطيم حجاب المرأة وسترها، وعفافها وشرفها والتزامها ببيتها، وتحريم الخلوة بالأجنبية، ووضعوا في المطلوب تطبيقه لساداتهم، سفور المرأة وهجرها لبيتها، ووجوب الاختلاط ووجوب التجربة قبل الزواج، ووجوب إباحة التكشف والعرى فى كل محل، وعشرات أخرى من تلك الواجبات، وقد خرجت المرأة من بيتها بدون شرط ولا قيد، وخلعت حجابها.

وأسفرت عن عفافها وأصبح هذا أمرا واقعا، وفشت العلاقات المحرمة، ووقع الاختلاط، وقامت الصداقات، بين الأولاد والبنات، وأصبح هذا أمرا واقعا، فإن الغرب هو الذى نحى الشريعة الإٍسلامية من البلاد، التي وطئتها أقدامه في أثناء الغزو الصليبى لبلاد المسلمين، والعلمانيون اليوم ما موقفهم؟ فإنهم أليسوا يعارضون تحكيم الشريعة في بلاد الإسلام؟ ويقيمون الندوات والمؤتمرات ليؤكدوا معارضتهم لذلك الأمر؟ والغرب يقول إن الإسلام السياسي هو الخطر الجديد الذي يهدد العالم، والذي يجب أن تجند له قوات الغرب، بل قوات العالم كله، وهم مع هذا لا يصرحون فى كثير من الأحيان بمحاربة الإٍسلام، ولكنهم يلبسون على الأمم بمسميات فضيعة، ومنها محاربة الإرهاب، وقد قال الله فى سورة الأنفال ” ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم” وإن هذا هو حقيقة الصراع، وفي هذا العصر يتجدد الصراع بين الحق والباطل، فيقول قائل لا تجعلني جزاراً يذبح الخراف ولا شاة يذبحها الجزارون، ساعدنى على أن أقول كلمة الحق في وجه الأقوياء، ولا أقول كلمة الباطل في وجه الضعفاء، وأن أرى الناحية الأخرى من الصورة ولا تتركني أتهم أعدائي بأنهم خونة في الرأى إذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي، وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ عقلي، وإذا أعطيتني نجاحا فلا تأخذ تواضعي، وإذا أعطيتني تواضعا فلا تأخذ اعتزازي بكرامتي، وقيل أنه تمشى الباطل يوما مع الحق فقال الباطل أنا أعلى منك رأسا، وقال الحق أنا أثبت منك قدما، فقال الباطل أن أقوى منك، قال الحق أنا أبقى منك.

وقال الباطل أنا معى الأقوياء والمترفون، قال الحق وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون، قال الباطل أستطيع أن أقتلك الآن، قال الحق ولكن أولادى سيقتلونك ولو بعد حين، فإن الحق دولة والباطل جولة، وإن قوة الحق عندما تجابه الباطل، والانحراف تتحول إلى طاقة فعل هائلة، فلا تترك الحق، لأنك متى تركت الحق، فإنك لا تتركه إلا إلى الباطل، وإن الرجوع إلى الحق خير من التمادى في الباطل، والعاقل لا يبطل حقا ولا يحق باطل، وإن الذين يدافعون عن الحق بالقوة لا يلبثون إلّا ريثما يبلغون ما يريدون ثم تصبح القوة وحدها رائدهم، فإن الحق لا يشبه الباطل وإنما يموه بالباطل عند من لا فهم له، وأن نصف الحق شر من الباطل، والباطل يكرر ادعاءاته بأشكال مختلفة ولكن ليس فيه مضمون جديد عكس الحق ثابت وله وجه واحد، وأن الحق لا ينتصر إلا بمنازعة الباطل، والحقيقة لا تخاف النقاش، وعلينا أن نؤمن بشرف الخصومة الفكرية، وإن الإعدام ليس من الشرف، فلا تناظر أهل الباطل، ولو ملكت الحجة حتى تجيد استعمالها، ليس خوفا على الحق، وإنما خوفا عليك، فقد يقتل الإنسان بالعصا، وبيده سيف لا يحسنه، وأن هناك ساعة حرجة يبلغ الباطل فيها ذروة قوته ويبلغ الحق فيها أقصى محنته، والثبات في هذه الساعة الشديدة هو نقطة التحول، فقال صلى الله عليه وسلم فى معنى الحديث، وأنه سيأتي عليكم من بعدى زمان، ليس فيه شيء أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب، وإن الحق مُزعج للذين اعتادوا ترويج الباطل حتى صدقوه.

ولا يكفى أن تقال كلمة الحق، بل يجب أن يراد بقولها الحق، فلا أبشع من كلمة حق يراد بها باطل، ولم يتفق الفقهاء على تعريف الحق، حيث اختلف الفقهاء حول تعريفه، و يمكن أن نجمع هذه الآراء فى أربع نظريات أساسية وهى النظرية الشخصية وهى نظرية الإرادة، وهى إن جوهر الحق بالنسبة لهذه النظرية هو القدرة الإرادية التي تثبت لصاحب الحق، أى إرادة الشخص، أى أن الحق وفق هذه النظرية هو سلطة إرادية مخولة للشخص، ولكن ما يعاب على هذه النظرية أنه قد يكتسب الحق دون أن توجد الإرادة لدى صاحبه كعديم الأهلية والوارث، وكما يؤخذ على هذه النظرية قصرها للحق على من تتوافر لديهم الإرادة , بينما نجد واقعيا الحق ثبت أيضا لعديم الإرادة كالمجنون أو ناقصها، وأيضا فإن هناك النظرية الموضوعية، وهى نظرية المصلحة، وإن جوهر الحق هى المصلحة التي يحميها القانون، سواء أكانت مادية أم معنوية بحيث تعرف الحق بهدفه والغاية منه، ويعاب على هذه النظرية أنها تنظر في تعريف الحق إلى موضوعه والغاية منه دون النظر في تعريفها للحق إلى شخص صاحب الحق، ولا ينبغي الخلط بين الحق وغايته المصلحة كما أن عنصر الحماية يأتي بعد وجود الحق، وكما يؤخذ على نظرية المصلحة بأن أنصارها يعرفون الحق انطلاقا من غايته متجاهلين جوهر الحق، وأيضا النظرية المختلطة وتأخذ بجوهر النظريتين السابق ذكرهما، إلا أنه كما سبق بيانه فالحق ليس هو الإرادة، لأن الحق قد يثبت للشخص دون تدخل من إرادته، وهو ليس المصلحة.

لأن المصلحة ليست جوهرا للحق بل غايته، وأيضا النظرية الحديثة، وقد جاءت النظرية المختلطة فجعلت الحق سلطة إرادية تثبت للشخص تحقيقا لمصلحة يحميها القانون، إذ عرف الحق بأنه استئثار الشخص بقيمة معينة أو شيء معين عن طريق التسلط على تلك القيمة أو الشيء، فهو إذا ميزة يمنحها القانون لشخص ما ويحميها له بوسائل قانونية، وبمقتضاها يتصرف الشخص في مال اقر القانون استئثاره به وتسلطه عليه بصفته مالكا له أو مستحقا له في ذمة الغير، فعناصر الحق بموجب هذا التعريف هى الاستئثار بمال أو قيمة معينة وتسلط صاحب الحق عليه ثم لزوم وجود آخرين يحترمون هذا الحق ثم الحماية القانونية لهذا الحق، فإذا اشترى شخص منقولا أو عقارا من آخر يعد هذا المشتري مالكا لحق ملكية هذا الشيء، و يلزم القانون الناس جميعا بواجب احترام هذا الحق، وهكذا يُنشئ القانون مركزا ممتازا ينفرد به صاحب هذا الشيء يخوله فيه استعماله والانتفاع به والتصرف فيها بحرية على سبيل الانفراد والاستئثار دون غيره، ويفرض على الناس كافة قيودا تقابل هذا المركز تتمثل في وجود احترام هذا الحق و عدم التعرض لصاحبه عند التصرف فيه، فمضمون هذا الحق إذن هو عدم جواز التعرض لحق المشتري في التصرف في هذا الشيء الذي اشتراه، أما موضوع هذا الحق، فهو الشيء ذاته، وأما سند الحق، فهو الشراء الذي نقلت به ملكية الشيء من البائع إلى هذا المشترى صاحب الحق، ويمكن الإجابة عن سؤال ما هو مفهوم الحق، بشكل سهل ومبسط بأنه مبادئ الحرية أو الاستحقاق القانونى، الاجتماعي، أو الأخلاقى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock