دين ودنيا

وقفه مع أمراض القلوب ” الجزء التاسع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء التاسع مع أمراض القلوب، وقيل أن أول ما يطرق القلب الخطرة، فإن دفعها استراح مما بعدها، وإن لم يدفعها قَويت، فصارت وسوسة، فكان دفعها أصعب، فإن بادر ودفعها وإلا قويت وصارت شهوة، فإن عالجها وإلا صارت إرادة، فإن عالجها وإلا صارت عزيمة، ومتى وصلت إلى هذه الحال، لم يمكن دفعها، واقترن بها الفعل ولا بد” وقد وردت هذه المادة مرتين في القرآن الكريم، بمعنى الميل والركون فارتبطت الأولى بالفؤاد كما في قول الله عز وجل فى سورة الأنعام ” ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة” والثانية بالقلب في قوله تعالى كما جاء فى سورة التحريم ” إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما” ويعني أن القلب حاسة قابلة للانحراف ما لم تجد عاصما يكبحها، وأيضا زيغ القلب والزيغ هو مرض من أمراض القلب التي بدأَت في طريق الانحدار، وهو بمعنى التمايل، يعني الميل عن الاستقامة، وقد ذكرت المادة في ثمان مواضع من كتاب الله تعالى، وارتبطت بالقلب في أربعة أمور.

منها مثلا قوله تعالى كما جاء فى سورة آل عمران” ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا” ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة “يا أم سلمة، ما من آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله عز وجل، ما شاء أقام، وما شاء أزاغ” وأيضا غل القلب، وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم، في مثل قوله تعالى كما جاء فى سورة الحشر” ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم” وورد الغل بمعنى الغش، والعداوة، والضغن، والحقد، والحسد، والدغل، والنفاق، والحقد الكامن، والخيانة والشر، وهذه أمراض الصدور عندما تمكن تتخلل القلب بلطف، حتى تتمكن منه وتصبِح صفة يوصف بها القلب ولذا ورد في الحديث ” ثلاث لا يُغل عليهن قلب مسلم أبدا، إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم” وأيضا هناك القلب الغليظ، والغلظ هو مرض آخر من أمراض القلوب، قد ذكره الله في محكم بيانه، منزها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.

فيقول الله عز وجل كما جاء فى سورة آل عمران ” فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر ” والغلظة ضد الرقة في الخلق والطبع والفعل والمنطق والعيش، فهي قسوة وشدة واستطالة ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم “ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدّادين، عند أصول أذناب الإبل” وأيضا هناك إباء القلب، وإباء القلب عن الإذعان لما أمر الله مرض يُؤدي إلى الكفر أو الفسق، نسبه الله عز وجل إلى القلب في قوله تعالى عن المشركين كما جاء فى سورة التوبة ” كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون” وأيضا هناك نفاق القلب، والنفاق أعم أمراض القلب وأكثرها دائرة، يزيد وينقص، فإن زاد كان الموت لا محالة، وإلا فالمرض، وقد سماه الله مرضا، كما في قوله تعالى فى سورة البقرة ” فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا” وقد وردت هذه المادة بأوجه مختلفة في القرآن الكريم، وخاصة بمعنى النفاق.

حيث تكررت بمشتقاتها أكثر من ثلاثين مرة، وإن أمراض القلب كلما ازدادت وأصابت القلب وتمكنت منه مات القلب، ولفظ الموت لم ينسب صراحة للقلب في القرآن الكريم لحكمة أرادها الله تعالى لأنه مهما بلغت بالقلب مراتب الضعف والمرض، قد يشاء الله له الهداية فيحيِيه بعد موته، وكذلك هناك موت دون موت، كما في تعدد معانيه كالسكون والنوم والبلى، أو تعدد أنواعه كالجهل، أو زيادة الكدرات من الآثام، أو موت مؤقت كالنوم، أو تعدد أوجهه، كالضلال، والجدب، أو ذهاب الحياة منه لفترة، ثم عودتها إليه مرة أخرى، وقد ورد في السنة النبوية تصريح بموت القلب، ففي سنن ابن ماجه حديثان فالأول هو عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “مَن قام ليلتي العيدين محتسبا لله، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب” والحديث الثاني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب” وإن من الأمراض الشديدة التي تلحق القلب، وهي مرحلة من مراحل موت القلب هو لهو القلب.

وهو كل ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه، وقد ورد هذا اللفظ في القرآن بهذه المعاني في مواضع مختلفة، وقد ذكرت هذه المادة في القرآن الكريم ست عشرة مرة، وارتبطَت بالقلب، وقال القرطبي فى قول الحق سبحانه وتعالى ” لاهية قلوبهم” أى ساهية قلوبهم، معرضة عن ذكر الله، متشاغلة عن التأمل والتفهم، وحيثما ورد لفظ اللهو في القرآن الكريم، فهو مرض من أمراض القلب، وإذا بلغ موضع التأمل والتدبر والتفكر يعني القلب، إذا بها صفة لازمة له، وأيضا فهناك القلب المغمور، وكلمة غمر، قد تكررت في القرآن الكريم أربع مرات، وارتبطت بالقلب في قوله تعالى كما جاء فى سورة المؤمنون ” بل قلوبهم فى غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون” والغمرة غطاء القلب عن فهم ما أودع الله كتابه من المواعظ والعبر والحجج، وبهذا قال الطبري ومجاهد، وإذا بلغ هذا المبلغ، فليس للقلب تعقل صحيح يفرق بين الحسن والقبيح، إلا بما تمليه الأهواء والرغبات الناتجة عن جهل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock