دين ودنيا

الدكروري يكتب عن المجال للأعمال الصالحة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن في هذه العشر الطيبة المباركة مجال للأعمال الصالحة مع التوبة إلى الله، والإقلاع عن المعاصي، وترك السيئات، الإقبال على الطاعات، الرغبة في الخير، المسارعة في الخيرات، المسابقة في هذه الأعمال المقربة إلى الرب، الثواب قليل، والرحيل قريب، والطريق مخوف، والاغترار غالب، والخطر عظيم، والله تعالى بالمرصاد، وإليه المرجع والمآب، فالغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة، فما منها عوض، ولا تقدر بقيمة، فالمبادرة المبادرة بالعمل، والعجل العجل قبل هجوم الأجل، قبل أن يندم المفرط على ما فعل، وقبل أن يسأل الرجعة فلا يجاب إلى ما سأل، وقبل أن يحول الموت بين المؤمل وبلوغ الأمل، وقبل أن يصير المرء محبوسا في حفرته بما قدم من عمل، يا من ظلمة قلبه كالليل إذا يسري أما آن لقلبك أن يستنير أو يستلين؟ تعرض لنفحات مولاك في هذه العشر فإن لله فيه نفحات يصيب بها من يشاء.

فمن أصابته سعد بها يوم الدين، وها هو حج بيت الله الحرام، فيجب الحج على المسلم لأن العبادة لا تصح من كافر، ويجب الحج على العاقل، وعلى البالغ الحر المستطيع، وإذا دخل الكافر في الإسلام أمرناه بالحج، وسائر شرائع الإسلام، والصبي لا يجب عليه، لكن لو حج به وليه صح حجه، وللصبي أجر الحج، وللولي أجر الدلالة على الخير، والتمكين منه، والدال على الخير كفاعله، وقيل رفعت امرأة صبيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ألهذا حج؟ قال نعم، ولك أجر” رواه مسلم، وإن العبد المشغول بحق سيده، فلا يجب عليه الحج، فإذا صار حرا أتى بفريضة الإسلام، والمستطيع من يستطيع من جميع النواحي، وأما إذا لم يستطع إليه سبيلا، من سد الطريق، أو ذهبت النفقة، فلم يقدر ببدنه، فأما إذا استطاع، فكان صحيح البدن، وملك من النفقة ما يوصله إلى بيت الله الحرام بحسب حاله، وعنده زاد يكفيه ذهابا وإيابا.

زائدا على نفقات من تلزمه نفقته منه أهله الباقين، حتى يرجع من حجه، من عنده زاد وراحلة، ونفقة زائدة على ما يحتاجه أهله في غيابه، والطريق آمنة، ولم يكن عائق وجب عليه الحج، ومع المرأة محرم يشترط فيه أن يكون بالغا عاقلا، ذكرا مسلما، فالكافر ليس بمحرم للمسلمة، والصغير والمجنون ليسا بمحرم، وأن يكوم محرّما عليها على التأبيد، فزوج الأخت ليس بمحرم، وأن يكون ذكرا، فإن المرأة لا تكون محرما للمرأة، وإذا لم يكن لها محرم سواء كانت شغالة أو غيرها فليس عليها فرض الحج، قد عذرها ربها، وأصحاب الديون إذا كانت أموالهم تتسع للحج وقضاء الدين بدؤوا بقضاء الدين، ثم حجوا، والذمة مشغولة بالدين، ولذلك لو أذن الدائن للمدين بالحج تبقى ذمة المدين مشغولة بالدين، ولذلك لو قال سمح لي غريمي بالذهاب للحج، أقضيه أو أحج؟ نقول اقضه، لأنه سماحه لك بالذهاب يجيز لك الذهاب، لكن لا يبرئ ذمتك.

لا زالت الذمة مشغولة، فأد الدين، لكن لو قال سمح لي، وأريد الذهاب، نقول يجوز لك الذهاب، والذمة مشغولة، فاكتب وصية بدينك، ولعل الله يفرج عنك بحجك، لكن قضاء الدين مقدم على الحج، فلو طالبه لزمه أن يؤدي إليه الدين، ولو جزءا منه، فلو قال ديوني بمئات الألوف، والحج بعض ألوف، قدّم سداد الدين ولو ببعض الألف لأنه مقدم في الشرع، وكذلك فإن على الإنسان أن يبقي لأهله نفقة من غير تقتير، ولا إسراف وقت غيابه، وأيضا أن يكون له بعد عودته ما يقوم بكفايته، وكفاية من ينفق عليهم، ولذلك لا يقال له صفى تجارتك، واذهب، بغض النظر عما سيحدث لك بعد رجوعك، وإنما يقال عندك ما يفيض عن حاجتك حج، فإن أناسا لا يحجون، وهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يضرب عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، وما هم بمسلمين، فمن ملك ما يزيد عن حاجاته الأصلية، وما يستطيع الاستغناء عنه، والزيادة تكفي لنفقة الحج وجب الحج عليه.

ولا يقال لصاحب السيارة المتعلقة حاجته بالسيارة بعها، ولا يقال لصاحب كتب العلم المحتاج إلى كتبه بعها، ولا يقال للصانع المحتاج إلى آلات الصنعة والعدة بعها، ولكن إذا زاد عن حاجته وجب عليه الحج، ومن تعارض عنده الحج والنكاح، فإن كان يحتاج إلى الزواج، ويشق عليه تأخيره، ويخشى الوقوع في الحرام قدم الزواج على الحج، وقال ابن قدامة رحمه الله، وإن احتاج إلى النكاح، وخاف على نفسه العنت أي المشقة قدم التزويج لأنه واجب عليه، ولا غنى به عنه، فهو كنفقته، وإن لم يخف قدم الحج لأن النكاح تطوع، فلا يقدم على الحج الواجب، عندما يكون صابرا يصبح النكاح مستحبا في حقه فيقدم الحج، وعندما يخشى على نفسه الحرام يصبح الزواج واجبا، فيقدمه على الحج حينئذ، والإنسان المريض مرضا يرجى شفاؤه لا يوكل بالحج عنه، ينتظر الشفاء ليحج، أما إذا كان مريضا مرضا مزمنا لا يُرجى عند الأطباء شفاؤه.

أما علم الغيب عند الله، فإنه يوكل بالحج عنه، ويدفع النفقة، وقيل جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت “يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال نعم” وهكذا فإنها مسؤولية وأمانة، وعلى المرء أن يسلك السبيل الشرعي، وأن يبتعد عن الرشوة والمحرمات، وأن يحج بمال حلال، فإن الذي يحج بالمال الحرام يُخشى أن لا يقبل حجه، ما حج، ولكن حجت العير، وفي هذه الأيام العشر القادمة عبادة عظيمة وهي الأضحية، إنها شعيرة عظيمة، فقد فدى الله عز وجل نبيه إسماعيل عليه السلام بكبش عظيم، لما صبر هو وأبوه على الذبح والابتلاء، فإنها عبادة عظيمة فيها إنهار الدم لرب العالمين، والتقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي أفضل بكثير من التصدق بثمنها، ولو زاد لأن إنهار الدم لله عبادة دالة على التوحيد، وإهراق الدم توحيدا لرب العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock