دين ودنيا

الدكروري يكتب عن فضل وكرم الله

بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الله عز وجل كما قسم الأرزاق قسم المناصب والكرامات والرحمات، وليس لنا والحال هذه إلا أن نسأل الله بعمل صالح أن يختارنا بفضله وكرمه وإن يتولانا فيمن تولى، وإن الرسالة والدين إنما وجد ليكون علما تحمله صدور الرجال وعملا تتحرك به أجساد الأخيار، فالتنظير بلا عمل خرافة تقع في أذهان من حرمه الله من الخير والعمل بلا هدى من الله ضلال، والعلم والعمل منهج الأنبياء، وإن الجاهلية ليست فقط العودة إلى عبادة صنم أو حجر، بل هي القيام بتراثها البائد ونشره والمفاخرة به واعتقاد صحته وصوابه، فأبو ذر لم يكن يعتقد أنه بهذا الاحتقار لأخيه قد وصل إلى جاهلية قد هرب منها منذ سنوات يكابد نفسه ألا يرجع إليها، وأبو ذر لم يكن يعلم أنه بتطاوله على عرض أخيه أنه رجع للعنصرية الجاهلية العفنة، وإن سب الناس أمر ليس بالهين لكنه عندما يكون عن سخرية واحتقار وتنقص فإن أمره أعظم لما يدل عليه من خبث السريرة.
وقلة الحياء من الله ومن الناس، وأعلم أن من سبك واحتقرك ونال من عرضك فقد وصل به الجرم ما يوصفه حديث البراء بن عازب قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الربا اثَنان وسبعون بابا، أدناها مثل إتيان الرجل أمه، و إن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه” فإن كان الربى عظيم فإن هناك ما هو أشنع منه أن تقتطع من لحم أخيك طعام تستسيغه، لكبر وتطاول في نفسك، وإن الإنسان ببذله ونبله ليصل إلى مقامات العزة والشرف ولا شك فهذا سلمان الفارسي نال الشرف في حديث عمرو بن عوف المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط الخندق من أحمر السبختين طرف بني حارثة عام حرب الأحزاب حتى بلغ المداحج فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا واحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي وكان رجلا قويا فقال المهاجرون سلمان منا وقالت الأنصار منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت” حسنه لترمذي.
فهذا هو سلمان صاحب البحث عن الحق والحقيقة، فهذا هو سلمان ابن تاجر مجوسي كان من شدة حبه له يحبسه في البيت كما تحبس النساء، فهذا هو سلمان قدم إلى المدينة وأنفق في سبيل ذلك كل ما يملك لرحالة من العرب فخانوه وباعوه رقيقا ليهودي، ولكنه عندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم عرف في وجه النور وعرف بين كتفيه خاتم النبوة، فذهبت سنوات العناء كحلم ايقظته حقيقة النبوة ومسحت شقاوته حلاوة الإيمان، فاعتقه صلى الله عليه وسلم بأربعين نخلة زرعها المصطفى بيديه وأربعين أوقية من ذهب ببركة عطائه، وتوجه بتاج الكرامة ما نظر إلى أصله ولا إلى نسبه ولكن نظر إلى بذله وجهده من أجل دين الله، وقدم سلمان كل ما يستطيع وترك الثروة والثراء فأي نسب بعد ذلك يريده، إن الخير بين جنبي سلمان ساقه منة من الله وتفضلا إلى جنة النعيم، ونقله من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، هكذا يكون مقام الرجال الرجل وبذله.
والرجل وعبادته والرجل وصدقته، فإنه مهما سعينا في الدنيا إذا لم يكن لنا تجارة مع الله فنحن خاسرون لا محالة، وانظر أخي الكريم إلى تجارة صهيب الرومي فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال أقبل صهيب, رضي الله عنه مهاجرا إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش، ونزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته، ثم قال يا معشر قريش، قد علمتم أني من أرماكم رجلا وايم الله لا تصلون حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وقينتي بمكة وخليتم سبيلي، قالوا نعم، ففعل، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، قال ربح البيع أبا يحيى، ربِح البيع أبا يحيى، قال ونزلت ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد” ولكن من هو صهيب؟ فقد قال أبو عمر بن عبد البر، كان أبو صهيب، أو عمه عاملا لكسرى على الأبلة.
وكانت منازلهم بأرض الموصل فأغارت الروم عليهم، فسبت صهيبا وهو غلام، فنشأ بالروم ثم اشترته قبيلة كلب، وباعوه بمكة لعبد الله بن جدعان، فأعتقه، ورمى صهيب بالدنيا خلفه بمكة فاحتضنته المدينة بنورها وخيرها وبركتها، وهذا والله البيع الرابح وهذه التجارة مع الله لا خسارة والله يضاعف لمن يشاء، وإن صهيب بتضحيته وبذله وخدمته لدينه، وصبره على العذاب في سبيله كان من أكرم الصحابة وخير من الآف العرب التي أعرضت عن الهدى والحق، وقد وُزن عمله وربح بيعه وشُكر بذله لأنه تقي بار، ولم ينظر أحد إلى ماضي صهيب إنما نظروا إلى حاضره وقيامه بأمر الله فكان سيدا في الجيل المبارك الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يقيسون الرجال، فكم وكم من أناس لا نراهم في أعيننا بشيء، وليس لهم في أنفسنا حظ ولا في مجالسنا نصيب قد جعل الله لهم الفردوس الأعلى حظا ونصيبا، فإن المظهر والشكل والرفاهية.
وحسن الملبس والمركب إنها مقاييس أهل الدنيا، أما ميزان أهل الدينا من أولياء الله هو قوله تعالي” إن أكرمكم عند الله أتقاكم” فهم أهل عدل وإنصاف، فإن الكلمة في مدح فلان أو ذمة يكون لها مقام بين يدي الواحد القهار، فلا بد من إعداد العدة لسؤال قد لا نجد له جواب إلا النار، ولا نحتقر رجلا لا يحبه أهل الدنيا وأهل الفجر والفسوق والعصيان بسبب لباس أو فقر أو عدم وجاهه، فقد يكون مثل هؤلاء ممن وصلوا إلى كرامة الله بأن يصدقهم بما أرادوا، فهذا البراء لما كان يوم تستر من بلاد فارس انكشف الناس فقال المسلمون يا براء أقسم على ربك فقال أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم والحقتني بنبيك فحمل وحمل الناس معه فانهزم الفرس وقتل البراء، فلا نجعل لنفوسنا حظا من الشر بما تحمله من نوايا لا تليق بمسلم يريد ما عند الله والدار الآخرة، وأعلم أن الدنيا وإن أعطتك ظهرها.
فإن لنا يوما نقف فيه بين يدي الله لا نملك من الدنيا شيئا وإنما مؤمن تقي أو فاجر شقي، فلنتقي الله ونرحم أنفسنا مما نجد من احتقار وازدراء للناس فوالله إنه لمرض قلبي لا ينجو من ويلاته إلا من أتى الله بقلب سليم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock