مقالات

الدكروري يكتب عن أهل العلم في القيروان

الدكروري يكتب عن أهل العلم في القيروان

الدكروري يكتب عن أهل العلم في القيروان

بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد تفقه أهل القيروان علي يد الإمام سحنون، الذي كان يذهب لفريضة الحج ويلزم الغمام مالك بن أنس، ولما عاد سحنون من المدينة المنورة كان قد وضع أسس الكتاب الذي دونه ويسمى المدونة التى أصبحت قاعدة التدريس في المغرب الأدنى، ومن هناك انتقلت إلى الأندلس، وكانت

inbound8692894481150607344

 الكتب الفقهية التي ألفها علماء القيروان ابتداء من كتاب المدونة لصاحبه الفقيه الكبير سحنون والذي أصبح مرجعا دينيا لرجال القيروان، إلى رسالة ابن أبي زيد ونوادره وزياداته إلى تهذيب أبي سعيد البراذعى، وكانت هذه الكتب وأمثالها عمدة الدارسين والشراح والمعلقين لا يعرفون غيرها إلى المائة السابعة من التاريخ الهجرى عندما ابتدأت كتب المشارقة تأتى إلى المغرب مثل مختصر ابن الحاجب ومختصر خليل فيما بعد.

وقد أنشئت في القيروان المكتبات العامة والمكتبات الملحقة بالجوامع والمدارس والزوايا وكانت مفتوحة للدارسين وتضم نفائس أمهات الكتب، ومن أشهر مكتبات القيروان بيت الحكمة الذي أنشأه إبراهيم الثانى الأغلبى، في رقادة بالقيروان محاكاة لبيت الحكمة التي أسسها هارون الرشيد في بغداد حيث كانت هذه البيت نواة لمدرسة الطب القيروانية التى أثرت فى الحركة العلمية فى المغرب لزمن طويل، وقد استقدم إبراهيم بن أحمد الأغلبى أعدادا كبيرة من علماء، الفلك والطب والنبات والهندسة والرياضيات من المشرق والمغرب وزوده بالآلات الفلكية، وكان إبراهيم بن أحمد يبعث كل عام وأحيانا كل ستة أشهر بعثة إلى بغداد هدفها تجديد ولائه للخلافة العباسية واقتناء نفائس الكتب المشرقية فى الحكمة والفلك مما لا نظير له في المغرب واستقدام مشاهير العلماء فى العراق ومصر. 

وعلى هذا النحو أمكنه فى أمد قصير أن يقيم فى رقادة نموذجا مصغرا من بيت الحكمة في بغداد، ولم يلبث هذا البيت أن وقع فى أيدى الفاطميين بعد سنوات معدودة من وفاته، ولقد كان بيت الحكمة معهدا علميا للدرس والبحث العلمى والترجمة من اللاتينية، ومركزا لنسخ المصنفات، وكان يتولى الإشراف عليه حفظة مهمتهم السهر على حراسة ما يحتويه من كتب، وتزويد الباحثين والمترددين عليه من طلاب العلم بما يلزمهم من هذه الكتب حسب تخصصاتهم، ويرأس هؤلاء الحفظة ناظر، كان يعرف بصاحب بيت الحكمة، وأول من تولى هذا المنصب عالم الرياضيات أبو اليسر إبراهيم بن محمد الشيباني الكاتب المعروف بأبى اليسر الرياضي، وهو بغدادي النشأة، حيث أتيح له أن يلتقي بالعديد من المحدثين والفقهاء والأدباء واللغويين. 

وكان قد تنقل فى أقطار المشرق قبل أنتقاله إلى الأندلس وأخيرا استقر بالقيروان، وكان الأمير إبراهيم بن أحمد يعقد المجالس العلمية للمناظرة في بيت الحكمة، وكان يحضر هذه المجالس العلماء البارزون من فقهاء المالكية والحنفية، ولقد لعبت مدينة القيروان دورا رئيسيا في القرون الإسلامية الأولى، فكانت العاصمة السياسية للمغرب الإسلامى ومركز الثقل فيه منذ ابتداء الفتح إلى آخر دولة الأمويين بدمشق، وعندما تأسست الخلافة العباسية ببغداد رأت فيها عاصمة العباسيين خير مساند لها لما أصبح يهدد الدولة الناشئة من خطر الانقسام والتفكك، ومع ظهور عدة دول مناوئة للعاصمة العباسية فى المغرب الإسلامى فقد نشأت دولة الأمويين بالأندلس، ونشأت الدولة الرستمية فى الجزائر، ونشأت الدولة الإدريسية العلوية فى المغرب الأقصى، وكانت كل دولة من تلك الدول تحمل عداوة لبنى العباس خاصة الدولة الإدريسية الشيعية التي تعتبرها بغداد أكبر خطر يهددها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock