وقفه مع نبى الله حزقيل ” الجزء الثانى “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع نبى الله حزقيل عليه السلام، وهو حزقيل بن بوذى، وهو ابن العجوز، وهو الذي دعا للقوم الذين ذكرهم الله في كتابه، فيما بلغنا “ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت” وقال ابن إسحاق فروا من الوباء، فنزلوا بصعيد من الأرض، فقال لهم الله موتوا، فماتوا جميعا، فحظروا عليهم حظيرة دون السباع، فمضت عليهم دهور طويلة، فمر بهم حزقيل، عليه السلام، فوقف عليهم متفكرا، فقيل له أتحب أن يبعثهم الله وأنت تنظر؟ فقال نعم، فأمر أن يدعو تلك العظام أن تكتسي لحما، وأن يتصل العصب بعضه ببعض، فناداهم عن أمر الله له بذلك، فقام القوم أجمعون، وكبروا تكبيرة رجل واحد، وقال أسباط ، عن السدي، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن أناس من الصحابة ، في قوله تعالى” ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم” قالوا كانت قرية يقال لها ” داوردان ” قبل ” واسط ” وقع بها الطاعون فهرب عامة أهلها، فنزلوا ناحية منها، فهلك من بقي في القرية، وسلم الآخرون، فلم يمت منهم كثير، فلما ارتفع الطاعون، رجعوا سالمين، فقال الذين بقوا أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا، لو صنعنا كما صنعوا بقينا، ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم، فوقع في قابل، فهربوا وهم بضعة وثلاثون ألفا، حتى نزلوا ذلك المكان، وهو واد أفيح، فناداهم ملك من أسفل الوادى.
وآخر من أعلاه أن موتوا، فماتوا، حتى إذا هلكوا، وبقيت أجسادهم، مر بهم نبي، يقال له حزقيل، فلما رآهم وقف عليهم، فجعل يتفكر فيهم ويلوي شدقيه وأصابعه، فأوحى الله إليه تريد أن أريك كيف أحييهم؟ قال نعم، وإنما كان تفكره أنه تعجب من قدرة الله عليهم، فقيل له ناد، فنادى يا أيتها العظام، إن الله يأمرك أن تجتمعي، فجعلت العظام يطير بعضها إلى بعض، حتى كانت أجسادا من عظام، ثم أوحى الله إليه أن نادى يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحما، فاكتست لحما، ودما، وثيابها التي ماتت فيها، ثم قيل له نادى فنادى أيتها الأجساد، إن الله يأمرك أن تقومي، فقاموا، قال أسباط فزعم منصور، عن مجاهد أنهم قالوا حين أحيوا سبحانك ربنا، وبحمدك، لا إله إلا أنت، فرجعوا إلى قومهم أحياء ، يعرفون أنهم كانوا موتى، سحنة الموت على وجوههم، لا يلبسون ثوبا إلا عاد كفنا دسما، حتى ماتوا لآجالهم التى كتبت لهم، وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال أنهم كانوا أربعة آلاف، وعنه أيضا أنهم كانوا ثمانية آلاف، وعن أبي صالح أنهم كانوا تسعة آلاف، وعن ابن عباس أيضا أنهم كانوا أربعين ألفا، وعن سعيد بن عبد العزيز أنهم كانوا من أهل ” أذرعات ” وقال ابن جريج ، عن عطاء هذا مثل ويعني أنه سيق مثلا مبينا أنه لن يغني حذر من قدر، وقول الجمهور أقوى أن هذا وقع، وعن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال لما خرج ملك القبط يريد هدم بيت المقدس.
واجتمع الناس إلى حزقيل النبي عليه السلام فشكوا ذلك إليه ، فقال لعلي اناجي ربي الليلة، فلما جنه الليل ناجى ربه، فأوحى الله إليه” إني قد كفيتكهم وكانوا قد مضوا، فأوحى الله إلى ملك الهواء أن أمسك عليهم أنفاسهم فماتوا كلهم، فأصيح حزقيل النبي وأخبر قومه بذلك فخرجوا فوجدوهم قد ماتوا، ودخل حزقيل النبي العجب، فقال في نفسه ما فضل سليمان النبي علي وقد اعطيت مثل هذا ؟ قال فخرجت قرحة على كبده فآذته، فخشع لله وتذلل وقعد على الرماد، فأوحى الله إليه “أن خذ لبن التين فحكه على صدرك من خارج ، ففعل فسكن عنه ذلك، وعن عمر بن يزيد وغيره عن بعضهم عن أبي عبدالله وبعضهم عن أبي جعفر عليهما السلام في قول الله عزوجل ” ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ” فقال إن هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام، وكانوا سبعين ألف بيت، وكان الطاعون يقع فيهم في كل أوان، فكانوا إذا أحسوا به خرج من المدينة الاغنياء لقوتهم، وبقي فيها الفقراء لضعفهم، فكان الموت يكثر في الذين أقاموا ويقل في الذين خرجوا فيقول الذين خرجوا لو كنا أقمنا لكثر فينا الموت، ويقول الذين أقاموا لو كنا خرجنا لقل فينا الموت، قال فاجتمع رأيهم جميعا على أنه إذا وقع الطاعون وأحسوا به خرجوا كلهم من المدينة، قلما أحسوا بالطاعون خرجوا جميعا وتنحوا عن الطاعون حذر الموت فصاروا في البلاد ما شاء الله.
ثم إنهم مروا بمدينة خربة قد جلا أهلها عنها وأفناهم الطاعون فنزلوا بها، فلما حطوا رحالهم واطمأنوا قال لهم الله عزوجل ” موتوا جميعا، فماتوا من ساعتهم وصاروا رميما يلوح، وكانوا على طريق المارة فكنستهم المارة فنحوهم وجمعوهم في موضع، فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له حزقيل، فلما رأى تلك العظام بكى واستعبر وقال يا رب لو شئت لاحييتهم الساعة كما أمتهم فعمروا بلادك وولدوا عبادك وعبدوك مع من يعبدك من خلقك، فأوحى الله إليه أفتحب ذلك؟ قال نعم يا رب فأحيهم، فأوحى الله عزوجل قل كذا وكذا، فقال الذي أمره الله عزوجل أن يقوله، فقال أبوعبدالله عليه السلام وهو الاسم الاعظم، فلما قال حزقيل ذلك الكلام نظر إلى العظام يطير بعظها إلى بعض، فعادوا أحياء ينظر بعضهم إلى بعض، يسبحون الله عز ذكره ويكبرونه ويهللونه، فقال حزقيل عند ذلك اشهد أن الله على كل شئ قدير، وقال عمر بن يزيد، فقال أبوعبد الله عليه السلام، فيهم نزلت هذه الآية، وقد روى الإمام أحمد من طريق الزهري، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن عبد الله بن عباس، أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام ، حتى إذا كان بسرغ، لقيه أمراء الأجناد، أبو عبيدة بن الجراح، وأصحابه، فأخبروه أن الوباء وقع بالشام، فذكر الحديث يعني في مشاورته المهاجرين والأنصار، فاختلفوا عليه، فجاءه عبد الرحمن بن عوف.
وكان متغيبا ببعض حاجته، فقال إن عندي من هذا علما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول” إذا كان بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارا منه، وإذا سمعتم به بأرض، فلا تقدموا عليه فحمد الله عمر ثم انصرف” وقال الإمام أحمد، حدثنا حجاج ويزيد المعنى قالا حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن سالم، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، أن عبد الرحمن بن عوف أخبر عمر وهو في الشام ، عن النبي صلى الله عليه وسلم “إن هذا السقم عذب به الأمم قبلكم، فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارا منه قال فرجع عمر من الشام” قال محمد بن إسحاق ولم يذكر لنا مدة لبث حزقيل في بني إسرائيل، ثم إن الله قبضه إليه، فلما قبض نسي بنو إسرائيل عهد الله إليهم، وعظمت فيهم الأحداث، وعبدوا الأوثان، وكان في جملة ما يعبدونه من الأصنام، صنم يقال له بعل، فبعث الله إليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران، قلت وقد قدمنا قصة إلياس تبعا لقصة الخضر، لأنهما يقرنان في الذكر غالبا، ولأجل أنها بعد قصة موسى في سورة ” الصافات ” فتعجلنا قصته لذلك، وقال محمد بن إسحاق فيما ذكر له عن وهب بن منبه قال ثم تنبأ فيهم بعد إلياس، وصيه اليسع بن أخطوب، عليه السلام، والنبي حزقيل عليه السلام هو أحد أنبياء بني إسرائيل بعد نبى الله موسى عليه السلام، وقد ورد اسمه في التوراة والقرأن الكريم.
وكان قد دعى قومه للجهاد فهربوا وخرجوا من ديارهم فأماتهم الله، ثم أحيا الله على يديه هؤلاء الموتى مرة أخرى، وقد وردت بعض الآثار وأكثرها عند أهل التفسير والأخبار ولعلها من الإسرائيليات التي لا يمكن القطع بشيء منها أن حزقيل كان نبيا من أنبياء بني إسرائيل بعد موسى وأنه هو الذي أحيا الله على يديه ألوف الموتى حين خرجوا من ديارهم خوفا من الموت، وقيل أنه هو الذي قال الله عنه كما جاء فى سورة البقرة ” أو كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته اللخ مائة عام ثم بعثه، قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم، قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شئ قدير ” وقيل غير ذلك، وقد جاء في تفسر الطبري وغيره عند قول الله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون” وقد أماتهم الله قبل آجالهم عقوبة لهم، ثم بعثهم إلى بقية آجالهم، وقيل إنما فعل ذلك بهم معجزة لنبي من أنبيائهم، لأنهم فروا من الجهاد لما أمرهم الله به على لسان حزقيل النبي عليه السلام، فخافوا الموت بالقتل في الجهاد فخرجوا من ديارهم فرارا من ذلك.
فأماتهم الله ليعرفهم أنه لا ينجيهم من الموت شيء، ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد، وقد عقب على ذلك بقوله، قال ابن عطية وهذا القصص كله لين الأسانيد، وإنما اللازم من الآية أن الله تعالى أخبر نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إخبارا في عبارة التنبيه والتوقيف عن قوم من البشر خرجوا من ديارهم فرارا من الموت فأماتهم الله تعالى ثم أحياهم، ليروا هم وكل من خلف من بعدهم أن الإماتة إنما هي بيد الله تعالى لا بيد غيره، فلا معنى لخوف خائف ولا لاغترار مغتر، وجعل الله هذه الآية مقدمة بين يدي أمره المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالجهاد، وفى قوله تعالى ” وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين” وقوله تعالى “وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم” .