دين ودنيا

وقفه مع القرآن الكريم ” الجزء الثانى عشر “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى عشر مع القرآن الكريم، وقد قال نبى الله عبسى عليه السلام كما جاء فى قول الله عز وجل فى سورة المائدة ” إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ” ولكن رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لم يقل مثلما قال نبى الله عيسى عليه السلام ولكنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه الى الله تعالى وقال ” اللهم أمتي أمتي ” وبكى فقال الله عز وجل ” يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم، فقال الله عز وجل يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك” رواه مسلم، وعن أبي ذر رضى الله عنه، قال، قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية حتى أصبح يرددها، وهى قول الحق سبحانه وتعالى من سورة المائدة ” إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ” وأَقد أمر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه القرآن فبكى لسماعه، وعن عائشة رضي الله عنها في حديث طويل ذكرت فيه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل وأنه بكى مرات، قالت فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي، قال يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟

فقال صلى الله عليه وسلم، أفلا أكون عبدا شكورا، ولقد نزلت عليّ الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها وهى قول الحق سبحانه وتعالى من سورة آل عمران ” إن فى خلق السموات والأرض …. إلى آخر الآيه ” رواه ابن حبان، وهذا الأصمعي يقول أقبلت ذات يوم من مسجد الجامع بالبصرة وبينما أنا في بعض سككها إذ أقبل أعرابي جلف جاف على قعود له متقلدا سيفه وبيده قوس فدنا وسلم وقال ممن الرجل فقلت من بني الأصمع فقال لي أنت الأصمعي قلت نعم قال من أين أقبلت قلت من موضع يتلى كلام الرحمن فيه قال أو للرحمن كلام يتلوه الآدميون فقلت نعم يا أعرابي فقال أتل علي شيئا منه فقلت انزل من قَعودك، والقَعود هو صغير الإبل إلى أن يبلغ السادسة من عمره، فنزل وابتدأت بسورة الذاريات حتى انتهيت إلى قوله تعالى ” وفى السماء رزقكم وما توعدون ” فقال الأعرابي يا أصمعي هذا كلام الرحمن قلت إي والذي بعث محمدا بالحق إنه لكلامه أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال لي حسبك فقام إلى ناقته فنحرها بسيفه وقطعها بجلدها وقال أعني على تفرقتها فوزعناها على من أقبل وأدبر ثم كسر سيفه وقوسه وجعلها تحت الرملة وولى مدبرا نحو البادية وهو يقول قول الله عز وجل ” وفى السماء رزقكم وما توعدون ”

وأخذ يرددها فلما تغيب عني في حيطان البصرة أقبلت على نفسي ألومها وقلت يا أصمعي قرأت القرآن منذ ثلاثين سنة ومررت بهذه وأمثالها وأشباهها فلم تتنبه لما تنبه له هذا الأعرابي ولم يعلم أن للرحمن كلاما فلما قضى الله من أمري ما أحب حججت مع هارون الرشيد أمير المؤمنين فبينما أنا أطوف بالكعبة إذا أنا بهاتف يهتف بصوت رقيق تعال يا أصمعي تعال يا أصمعي قال فالتفت فإذا أنا بالإعرابي منهوكا مصفارا فجاء وسلم علي وأخذ بيدي وأجلسني وراء المقام فقال اتل من كلام الرحمن ذلك الذي تتلوه فابتدأت ثانيا بسورة الذاريات فلما انتهيت إلى قوله ” وفى السماء رزقكم وما توعدون ” صاح الأعرابي وقال قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ثم قال يا أصمعي هل غير هذا للرحمن كلام قلت نعم يا أعرابي يقول الله عز وجل فى سورة الذاريات ” فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ” فصاح الأعرابي عندها وقال يا سبحان الله من ذا أغضب الجليل حتى حلف أفلم يصدقوه بقوله حتى ألجئوه إلى اليمين قالها ثلاثا وخرجت نفسه، رواه البيهقى، وأيضا فى تأثير القرآن الكريم على المشركين وأن المشركين فى مكة كانوا يذهبوا خفية من وراء بعضهم البعض ليستمعوا للقرآن من النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

وكانوا يذهبون الى بيت الصديق يستمعون لتلاوته أيضا فعن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت ” لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، طرفي النهار، بكرة وعشية، ثم بدا لأبي بكر، فابتنى مسجدا بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، وهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاءا، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين رواه البخاري، فكان الكافر يسمع القرآن فيتأثر به ويدخل في الإسلام وهذا من أعظم البراهين على تأثير القرآن الكريم في القلوب فمع أنه كان كافرا لما ألقى أذنه للقرآن وفتح قلبه للقرآن تأثر به أليس من كان مسلما بالأساس أولى بالتأثر والتفاعل الجيد مع كتاب الله، فإن واجب المسلمين نحو القرآن الكريم، هو تعلمه وتعليمه وتعظيمه وقراءته وتدبر آياته، فالمداومة على قراءته ومدارسته، فإن أفضل الناس من يتعلم القرآن ويعلمه، لحديث عثمان بن عفان رضى الله عنه، فعن عثمان بن عفان رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال ” خيركم من تعلم القرآن وعلمه ” رواه البخاري، وهذه أربع نِعم عظيمة لمن وفقه الله لمدارسة القرآن في المساجد.

فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما أجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا ونزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ” رواه مسلم، وكذلك أيضا من واجبنا نحو القرآن الكريم هو الأدب مع القرآن، والتخلق بأخلاقه، وإن للقرآن الكريم العديد من الخصائص والمزايا، ومن أهمها ما هو صادر من عند الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم فى سورة النساء ” أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافا كثيرا ” وهذه من أهم خصائصه التي وردت في قوله تعالى ” وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ” وهكذا فكان نزوله مفرقا على مدار الدعوة مدة ثلاث وعشرين سنة بخلاف الكتب السماوية السابقة التي كانت تنزل دفعة واحدة فكان المشركون يتعجبون من ذلك، وذكر الله سبحانه وتعالى ذلك بقوله ” وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك ليثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ” فقد تكفل الله تعالى بحفظه من الكذب والضياع إلى قيام الساعة، فقال تعالى ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” وكذلك هيمنته على جميع الكتب السماوية السابقة أي أنه جاء بما فيها، وجاء شاهدا عليها، واحتواءه على فضائلها ومزاياها، وزائدا عليها.

ومؤتمنا على ما فيها، وحافظا لها، فقال الله عز وجل ” وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ” وبالإضافة إلى أنه آخرها وذلك لأهميته وخصوصيته، وكذلك من خصائصه هو إعجازه بكل ما فيه، وقد تحدى الله سبحانه وتعالى، به العرب، وهم أهل الفصاحة واللغة، فتحداهم بأن يأتوا بمثله أو بمثل سورة منه، ومعنى أنه معجز، أنه قد سما وارتفع بحيث تعجز البشرية عن الإتيان بمثله من جميع جوانبه، سواء من حيث بلاغته أو تشريعاته أو غيبياته، وهو قول جمهور العلماء والباحثين، بالإضافة إلى تيسيره للناس من حيث القراءة والحفظ والتدبر، ومعرفة ما فيه من معاني وعلوم وفقه، وكذلك شمول رسالته لجميع الخلق، فقال الله تعالى ” وما هو إلا ذكر للعالمين ” وكما دل القرآن الكريم على خيري الدنيا والآخرة، وحذر من الشر، فقال الله تعالى ” ما فرطنا فى الكتاب من شئ ” وكذلك تظهر أهمية القرآن بما يحتويه من الهداية بجميع جوانبها من حيث العقيدة الصحيحة، والعبادات، والأخلاق، والتشريعات، والتعليمات التي تنظم حياة المجتمع، بما يضمن لهم الخير والعزة والصلاح، كما أن الالتزام بما جاء فيه يضمن للإنسان حياة طاهرة، كما ويضمن له القوة، والحضارة وغير ذلك من النعم التي لا تحصى.

فقال الله تعالى ” ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون” وإن واجبنا نحو القرآن الكريم هو أنه نعلم أولا أنه شرّف الله تعالى القرآن على باقي الكتب السماوية السابقة، وذلك بحفظه، ورتب على قارئه وحافظه الأجر العظيم، فمن واجب الأمة تجاهه هو المسارعة إلى تلاوته والبعد عن هجره، والمشاركة في حفظه، لما في ذلك من الفضائل والفوائد فهو كلام الله سبحانه وتعالى، وهو المرجع عند الخلاف، كما أن في ذلك اقتداء بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان يداوم على تلاوته وحفظه، واقتداء بالصحابة الكرام رضي الله عنهم، وكما يُعد القرآن الكريم كتابا كاملا وشاملا للحياة، وينبغي على قارئه حُسن التعامل معه، ومن حسن التعامل معه التأثر به، والنظر إلى الجوانب التي يهتم بها، مع الالتفات إلى الأهداف الأساسية له، وإلى مقاصده الرئيسية فالله تعالى، لم يُنزل القرآن ليكون كتابا للرُقية أو للاستشفاء به، أو لقراءته عند الأموات أو في بيوت العزاء فقط، وإنما ينبغي للمسلم النظر إليه على أنه كلام وكتاب الله تعالى، فيقول ويحكم به، ويلتزم بأوامره، ويثق به، ويدعو الناس إليه، مع استشعار أن كلام القرآن موجه له، وأنه هو المُخاطب بآياته وذلك باتباع أوامره واجتناب نواهيه، وأخذ العبرة من قصصه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock