وقفة مع الإبتلاء والمواساة ” جزء 7 “

بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السابع مع الإبتلاء والمواساة، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل صحيحا” رواه البخاري، وقال ابن بطال رحمه الله ” وليس هذا الحديث على العموم، وإنما هو لمن كانت له نوافل وعادة من عمل صالح فمنعه الله منها بالمرض أو السفر وكانت نيته لو كان صحيحا أو مقيما أن يدوم عليها ولا يقطعها فإن الله يتفضل عليه بأن يكتب له أجر ثوابها حين حبسه عنها، فأما من لم يكن له تنفل ولا عمل صالح فلا يدخل في معنى الحديث لأنه لم يمنعه مرضه من شيء فكيف يكتب له ما لم يكن يعمله” واعلم أن الله جل وعلا لعله ابتلاك بالمرض لتعرف قيمة الصحة والعافية.
فهذه النعمة العظيمة لا يعرفها إلا من فقدها فإذا منّ الله عليك بعد ذلك بالصحة فاغتنمها واستغلها فيما يعود عليك بالنفع في الدارين بإذن رب العالمين، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه ” اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك” رواه الحاكم، ويقول المناوي رحمه الله “اغتنم خمسا قبل خمس” أي افعل خمسة أشياء قبل حصول خمسة، حياتك قبل موتك أي اغتنم ما تلقى نفعه بعد موتك، فإن من مات انقطع عمله وصحتك قبل سقمك أي العمل حال الصحة فقد يعرض مانع كمرض، وفراغك قبل شغلك أي فراغك في هذه الدار.
وقبل شغلك بأهوال القيامة التي أول منازلها القبر وشبابك قبل هرمك أي فعل الطاعة حال قدرتك وقوتك قبل هجوم الكبر عليك وغناك قبل فقرك أي التصدق بفضول مالك قبل عروض جائحة تتلف مالك، فتصير فقيرا في الدارين، فهذه الخمسة لا يُعرف قدرها إلا بعد زوالها” وعن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا” وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما شيئا، رواه البخاري، قال الإمام النووي رحمه الله فى قوله صلى الله عليه وسلم كافل اليتيم، وهو القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك، وهذه الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه، أو من مال اليتيم بولاية شرعية.
وقال ابن بطال رحمه الله، حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “أطعموا الجائع، وعُودوا المريض، وفكوا العاني ” أى الأسير” رواه البخاري، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “ما من مسلم يعود مسلما غدوة أي صباحا، إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية، أي مساء، إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف، أي بستان في الجنة” رواه الترمذي، وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال.
كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر، أي أول النهار، فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أي خرقوها وقوروا وسطها أو العباء، متقلدي السيوف، عامّتهم من مضر وهى اسم قبيلة، بل كلهم من مضر، فتمعّر، أي تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلال فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال ” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا” وقرأ الآية التي في سورة الحشر ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون”