كنوزالاستغفار

كوثر احمد عبد الرحيم. :
عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضِي اللَّه عنْهُما قَال: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: منْ لَزِم الاسْتِغْفَار، جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مخْرجًا، ومنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ رواه أبو داود.
6/1874- وعنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: منْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّه الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُو الحيَّ الْقَيُّومَ وأَتُوبُ إِلَيهِ، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ رواه أبو داود والترمذي والحاكِمُ، وقال: حدِيثٌ صحيحٌ على شَرْطِ البُخَارِيِّ ومُسلمٍ.
7/1875- وعنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عن النَّبِيِّ ﷺ قالَ: سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لاَ إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ، وأَنَا عَلَى عهْدِكَ ووعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صنَعْتُ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ. منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَماتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ رواه البخاري.
الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة كلها فيها الحث على الاستغفار والتوبة إلى الله والإنابة إليه من جميع الذنوب، يقول عليه الصلاة والسلام: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب يعني الاستغفار الذي مع التوبة ومع الندم ما هو مجرد الكلام، فالاستغفار الذي معه عدم الإصرار كما قال سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135، 136] فالتوبة يمحو الله بها الذنوب، الشرك وما دونه، فمن لزم الاستغفار تائبًا نادمًا مقلعا صادقًا جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب، كما قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3] والتوبة الصادقة من التقوى، فهي التقوى في الحقيقة، وهكذا من قال: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر الله له ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف، يعني إذا كان صادقًا في ذلك، توبة صادقة يغفر الله بها الذنوب حتى الفرار من الزحف، حتى الشرك الذي هو أكبر إذا الإنسان تاب إلى الله وأناب إليه صادقًا نادمًا مقلعًا عازمًا على ألا يعود غفر الله له ذنوبه وكفر سيئاته، فينبغي للمؤمن أن يعتني بهذا وألا يظن أن مجرد القول يكفي، لا بدّ من عدم الإصرار، لا بدّ من توبة صادقة واستغفار صادق وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:199]، ويقول جل وعلا عن نوح أنه قال لقومه: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [نوح:10، 11]، وفي قصة هود مع قومه اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ [هود:52]، ويقول جل وعلا: أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:74] فلا بدّ من توبة صادقة وقول صادق في طلب المغفرة.
وهكذا حديث سيد الاستغفار وهو أفضل الاستغفار وأكمله أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدتك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت معناه: أبوء يعني أقر وأعترف لك بذنبي تائبًا نادما، لا بدّ من توبة صادقة، ثم قال: وأبوء لك بنعمتك عليّ يعني أشكر نعمتك وأعترف بنعمتك وأشكرك عليها، يعترف بالنعم ويشكر الله عليها، ويعترف بالذنوب ويتوب منها، هكذا الصادق. أبوء لك بنعمتك علي يعني أقر وأعترف بنعمك شاكرًا لك معظمًا لك، ثم أبوء بذنبي يعني أقر وأعترف بأني مقصر صاحب ذنوب، يقولها صادقًا تائبًا نادمًا فإن الله يغفر له، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت إذا قالها صادقًا صباحًا ومات من يومه دخل الجنة، وإن قالها مساء صادقًا ومات من ليلته دخل الجنة، فهذا فضل عظيم من مات على التوبة، فهو على خير عظيم، في الحديث يقول ﷺ: التوبة تجب ما قبلها، ويقول سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] فمن تاب أفلح، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ معناه لتفلحوا، هذا يدل على أن التوبة فلاح للعبد ونجاة له، وهكذا قوله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التحريم:8] يعني بالتوبة الصادقة النصوح، والمؤمن مشروع له أن يشغل لسانه بذكر الله واستغفاره في ليله ونهاره، يكون مشغول اللسان، مشغول القلب بالتوبة والاستغفار والذكر لله عز وجل، تارة بالقرآن، وتارة بغير ذلك من الأذكار، كما قال ﷺ: أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر وقال: الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقال ﷺ: كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم فأنت يا عبد الله مأمور بهذا، مشروع لك أن تستعمل قلبك وجوارحك بذكر الله وطاعته واستغفاره والتوبة إليه، وفق الله الجميع….