مقالات

الدكروري يكتب عن الفواحش والمعاصي في القلب

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن نجاسة الفواحش والمعاصي في القلب بمنزلة الأخلاط الرديئة في البدن، وبمنزلة الخبث في الذهب والفضة، فكما أن البدن إذا استفرغ من الأخلاط الرديئة، تخلصت القوة الطبيعية منها فاستراحت، فعملت عملها بلا معوّق ولا ممانع فنما البدن، فكذلك القلب إذا تخلص من الذنوب بالتوبة، فقد استفرغ من تخليطه، فتخلصت قوة القلب وإرادته للخير، فاستراح من تلك الجواذب الفاسدة، والمواد الرديئة فزكا القلب ونما، وقوي واشتد، وإن زكاة القلب موقوفة على طهارته، كما أن زكاة البدن موقوفة على استفراغه من أخلاطه الرديئة الفاسدة ، فالإنسان إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله، أكسبه ذلك تحريفا للحق عن مواضعه، فإذا قبل الباطل أحبه ورضيه، فإذا جاء الحق بخلافه ردّه وكذبه إن قدر على ذلك.

وإلا حرّفه، أما القلب الطاهر، فلكمال حياته ونوره وتخلصه من الأدران والخبائث لا يشبع من القرآن، ولا يتغذى إلا بحقائقه، ولا يتداوى إلا بأدويته، وأما القلب الذي لم يطهّره الله تعالى، فإنه يتغذى من الأغذية التي تناسبه، بحسب ما فيه من النجاسة، فإن القلب النجس كالبدن العليل المريض، لا تلائمه الأغذية التي تلائم الصحيح، وإن طهارة القلب موقوفة على إرادة الله تعالى الذي يعلم ما في القلوب، ويعلم ما يصلح له منها وما لا يصلح، ومن لم يطهر الله قلبه فلا بد أن يناله الخزي في الدنيا، والعذاب في الآخرة، بحسب نجاسة القلب وخبثه، فالجنة دار الطيبين لا يدخلها خبيث، ولا من فيه شيء من الخبث، فمن تطهر في الدنيا بالإيمان والأعمال الصالحة، ولقي الله طاهرا من نجاساته دخلها بغير معوق.

لأنه جاء ربه بقلب سليم، وعمل قويم ، ومن لم يتطهر في الدنيا، فإن كانت نجاسته عينية كالكافر لم يدخلها بحال، وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعدما يتطهر في النار من تلك النجاسة، ثم يخرج منها إلى الجنة بعد طهارته، وكذلك المؤمنون إذا جاوزوا الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيهذبون وينقون، ثم يؤذن لهم في دخول الجنة، والذنوب والخطايا توجب للقلب ضعفا، فيرتخي القلب، وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجسه، وإن الخطايا والذنوب للقلب بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها، ولذلك كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب، واشتد ضعفه ومقاومته للباطل، والماء يغسل الخبث، ويطفئ النار، فالقلب والبدن بأشد الحاجة إلى ما يطهرهما ويبردهما ويقويهما.

وقلوب البشر لها آفات وعلل، وأمرض وأسقام، والحسد من الأمراض العظيمة التي تصيب القلوب، ولا تداوي أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل، والعلم النافع لمرض الحسد هو أن يعرف الإنسان أن الحسد ضرر عليه في الدنيا والدين، أما في الدين فيعني سخطك على قضاء الله تعالى، وهو تعبير عن كراهيتك نعمته التي قسمها بين عباده، وعدله الذي أقامه في ملكه بحكمته، فاستنكرت وكرهت وتبرمت من ما قضاه الله وقدّره واختاره لعبده، وهذه جناية كبرى على التوحيد والإيمان والدين، وأما كونه ضررا عليك في الدنيا، فهو ألمك فيها، وعذابك بها، فالذين تحسدهم لا يخليهم الله من نعم يفيضها عليهم بسبب حسدك، فلا تزال تتألم بكل نعمة تراها، وتتعذب بكل بلية تصرف عنهم، فتبقى مغموما محروما.

فحسدك نار تحرق بها نفسك دون أن تحرق بها الآخرين، ومن أمراض القلوب حب الدنيا فكرا وطلبا وتمتعا والإعراض عن الآخرة، وإن من اتخذ الدنيا ربّا اتخذته عبدا، والعاقل من يرضى منها بالقليل مع سلامة الدين، كما رضي أهل الدنيا بقليل الدين مع سلامة الدنيا، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره، وإن الدنيا والآخرة ضرّتان، فبقدر ما ترضي إحداهما تسخط الأخرى، وبقدر ما تعمر إحداهما تهدم الأخرى، وبقدر ما تقدم إحداهما تؤخر الأخرى، وطالب الدنيا مثل شارب ماء البحر، كلما ازداد شربا ازداد عطشا، حتى يقتله الشرب، والدنيا سريعة الفناء، تعد بالبقاء ثم تخلف في الوفاء، وأنت أيها العاقل اللبيب عليك أن تتخلى عند إحداهما، فأيهما ستبقي؟

اظهر المزيد

شبكه أخبار مصر

فاطمة الشوا رئيس مجلس إدارة جريدة شبكة أخبار مصر وصاحبة الإمتياز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock