وقفة مع الأمان هو سر الحياة الهادئة ” الجزء 1 “

بقلم / محمـــد الدكـــرورى
إن حسن الكلام وطيبه، والبشاشة في وجوه الناس أمر محمود يطلبه منكم نبيكم صلى الله عليه وسلم، فعن جابر بن سليم قال “فركبت قعودي ثم أتيت إلى مكة فطلبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدلوني عليه، فقلت السلام عليك يا رسول الله، فقال وعليك السلام، فقلت إنا معشر أهل البادية قوم فينا الجفاء، فعلمني كلمات ينفعني الله بها، فقال أدن ثلاث مرات، فدنوت، فقال أعد علي ما قلت؟ فأعدت عليه، فقال “اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق، وأن تفرغ دلوك في إناء المستسقي، وإن امرؤ سبك بما لا يعلم منك فلا تسبه بما تعلم فيه، فإن الله جاعل لك أجرا وعليه وزرا، ولا تسبن شيئا مما خول الله لك” قال جابر”فوا الذي نفسي بيده ما سببت بعده شاة، ولا بعيرا” إذ لا ينبغي الردّ للإساءة بمثلها، وإنما بالإعراض.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قوم يفترون عليه الكذب، ويموهون على الناس حقائق الوحي، ويؤذونه بالفعل واللسان، ومع ذلك يعرض عنهم ويدعو لهم بالهداية، ويقول “رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون” ولقد حلاه الله وزيّنه بالخلق الكريم، ووصفه بالخلق العظيم، وإن من أسماء الله الحسنى الواردة في كتاب الله هو المؤمن، فالمؤمن من معانيه التي اشتق منها الأمان، فهو الذي يهب عباده المؤمنين الأمن في الدنيا، بالطمأنينة والأنس الذي يجدونه في قلوبهم بفعل الإيمان به سبحانه وتوحيده، وكذلك هو الذي يؤمّن لجميع خلقه كل ما يأمن بقاء حياتهم إلى أجلهم المحتوم بتوفير رزقهم ودفع الغوائل عنهم، وإن من مطالب الحياة الطيبة هو الأمن والأمان.
فكيف يعيش المرء في حالة لا يجد فيها أمنا ولا استقرارا، وكيف يطيب عيشه إذا عدم الأمن، وهو كذلك ضرورة لكل مجتمع، حيث السلامة من الفتن والشرور والآفات، وبه يتحقق الاطمئنان والسكون، والرخاء والازدهار، وبه تستقيم المصالح وتحفظ الأنفس، وتصان الأعراض والأموال وتأمن السبل وتقام الحدود، وبفقده تضيع الحقوق، وتتعطل المصالح، وتحصل الفوضى، ويتسلط الأقوياء على الضعفاء، ويحصل السلب والنهب، وسفك الدماء وانتهاك الأعراض، إلى غير ذلك من مظاهر فقد الأمن للمجتمع، وإن المؤمن الصادق لا يرضى بأن تمس بلد الإسلام بسوء، بل يقف معاديا متصديا لكل من يريد التطاول على قيمها وثوابتها، أو يسعى في إشاعة الفوضى فيها.
أو الاستجابة لمن يريد زعزعة الاستقرار والإخلال بأمنها، ولا غرابة في ذلك فالمحافظة على الأمن والاستقرار في مجتمعنا عبادة نتقرب بها إلى الله عز وجل، وهي مسئولية الجميع، فلا بد من تكاتف الجهود في هذا المجال للتصدي لمن يحاول الإخلال بأمن البلاد والعباد، والوقوف أمام كل دعوة تهدد الأمن، وتزعزع الاستقرار، فلا هناء في عيش بلا أمن، ولا سعادة في مال بلا استقرار، وإن الله عز وجل قد أنعم على العباد بنعم كثيرة وافرة، وأوجب عليهم واجبات متعددة، فمن ذلك أمنهم الذي يجب أن يحفظوه، ويعملوا على استدامته وبقائه، وعدم انتهاك ما يخل به، ويذهب آثاره المحمودة، وإذا اختل الأمن تبدل الحال، ولم يهنأ أحد براحة بال.
فيلحق الناس الفزع في عبادتهم، فتهجر المساجد، ويمنع المسلم من إظهار شعائر دينه، وتعاق سبل الدعوة، وينضب وصول الخير إلى الآخرين، وينقطع تحصيل العلم وملازمة العلماء، ولا توصل الأرحام، ويئن المريض فلا دواء ولا طبيب، وتختل المعايش، وتهجر الديار، وتفارق الأوطان، وتتفرق الأسر، وتنقض عهود ومواثيق، وتبور التجارة، ويتعسر طلب الرزق، وتتبدل طباع الخلق، فيظهر الكذب، ويلقى الشح، ويبادر إلى تصديق الخبر المخوف وتكذيب خبر الأمن، وباختلال الأمن تقتل نفوس بريئة، وترمّل نساء، ويُيتم أطفال، فإذا سلبت نعمة الأمن فشا الجهل، وشاع الظلم، وسلبت الممتلكات، وإذا حل الخوف أذيق المجتمع لباس الفقر والجوع.