دين ودنيا

وقفه مع القرآن الكريم ” الجزء الحادى عشر “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الحادى عشر مع القرآن الكريم، والقرآن الكريم هو الكتاب الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هداية ورحمة للناس جميعا، وهو كتاب الله الخالد، وحُجته البالغة، وهو باقى إلى أن تفنى الحياة على الأرض، وفيه أنزل الله تعالى شريعته وحكمه التام الكامل، ليتخذه الناس شرعة ومنهاج حياة، وهو معجزة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم التي عجز الجن والإنس جميعا عن أن يأتوا بمثلها بعد أن تحداهم الله بذلك، ولا وصف للقرآن أبلغ مما وصفه به الله سبحانه وتعالى، ونبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبيان بعض هذه الأوصاف، هو الروح والروح ما تحصل به الحياة، ووصف بذلك في قوله سبحانه وتعالى ” وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ” وأيضا النور، وهو ما يحصل به الإبصار، فقال الله سبحانه وتعالى ” وقد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ” وأيضا هو الهادي، أي الذي يهتدي به الناس إلى الطريق القويم، فقال الله سبحانه تعالى ” إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ” وأيضا هو الشفاء والرشاد، فقال الله سبحانه وتعالى ” قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ” وأيضا هو الحق الذي لا يأتيه باطل أبدا، فقال الله سبحانه وتعالى ” لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد “

وهو كتاب الله، والفصل، والصراط المستقيم، وحبل الله المتين، والذكر الحكيم، وقد وردت هذه الأوصاف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجدر الإشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى، أقسم بالقرآن الكريم في كثير من المواضع فيه، ومنها قوله تعالى ” والكتاب المبين ” والقرآن هو كلام الله تعالى، وعظمته من صلته بالله سبحانه، ومن هنا فقد شرع الإسلام أحكاما خاصة في التعامل معه رعاية لحرمته، وتأكيدا على صونه، وإظهاراً لفضله، ومن مكانته العظيمة أن الصلاة لا تصح إلا به، إذ يجب على المسلم أن يقرأه في كل ركعة في الصلاة، كما لا يصح إيمان المسلم إلا إذا آمن به، وإن لتلاوة القرآن والإستماع إليه العديد من الآداب التي ينبغي للمسلم التأدّب بها، وهو استقبال القبلة قدر الإمكان، وكذلك استعمال السواك، لما فيه من طهارة وتعظيم للقرآن، وكذلك الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، والمحافظة على نظافة الثوب والبدن، وكذلك الخشوع والتفكر والتدبر عند التلاوة، مع حضور القلب حال تلاوة آيات القرآن الكريمن وكذلك البكاء او التباكي مع القراءة، مع تزيين الصوت بها، وتحسينه بقدر الاستطاعة، وكذلك التأدب حال القراءة، والبعد عن الضحك والعبث بكل ما يُلهى عن التلاوة، فقال الله تعالى فى كتابه الكريم ” كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب “

وكذلك الاتعاظ بكل ما جاء في القرآن من حكم ومواعظ، مع الإقبال على التلاوة بقلب خاشعٍ ومُتفكر لمعاني التلاوة، ولقد جاءت الكثير من الأدلة في القرآن الكريم، والسُنة النبوية التي تبيّن فضل قراءة وتلاوة القرآن، كقوله تعالى ” إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانيه يرجون تجارة لن تبور، ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضلة إنه غفور شكور ” وإن من هذه الفضائل، هو أن تلاوة القرآن الكريم سبب للنجاة والبعد عن مثل السوء الذي ضربه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بقوله ” إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآنِ كالبيت الخرب ” وإن تلاوته سبب لرفع صاحبها في الدنيا والآخرة فقد قال النبى محمد صلى الله عليه وسلم ” إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوما ويضع به آخرين ” وكذلك فإن تلاوته سبب لتنزل البركة، والحصول على الخيرية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ط فَلأن يغدو أحدكم كل يومٍ إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وإن ثلاث فثلاث مثل أعدادهن من الإبل” وكذلك فغن تلاوة القرآن الكريم سبب لنيل أربعة من الأمور التي ذكرها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الواحدة منها خير من الدنيا وما فيها، وإن تلاوته سبب للحفظ في الدنيا، والبعد عن الغفلة.

ويكتب الله تعالى بكل حرف يقرأ من القرآن عشر حسنات، بالإضافة إلى أن قارئ القرآن يُعد من أهل الله تعالى وخاصته، ويحصل على الدرجات العالية في الجنة، ويكتبه الله تعالى من القانتين، كما أن القرآن يأتي شفيعا يوم القيامة لمن يقرأه، فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” اقرؤوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعا لأصحابه ” وهذا رجل أعرابي جلس أمام النبي صلى الله عليه وسلم وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ” إذا زلزلت الأرض زلزالها ” والرجل يسرح في معاني الآيات حتى وصل النبى صلى الله عليه وسلم إلى آخر السورة ” فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شر يره ” فقال الأعرابي يا رسول الله، أمثقال ذرة؟ قال ” نعم ” فقال الأعرابي واسوأتاه، مرارا، ثم قام وهو يقولها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لقد دخل قلب الأعرابي الإيمان” وهذا ثابت عن حماد قال كان ثابت يقرأ بتلك الآية من سورة الكهف ” أكفرت بالذى خلقك من تراب ” وهو يصلي صلاة الليل ينتحب ويرددها، وهذا الفضيل قال بشر بن الحكم النيسابوري كانت امرأة الفضيل تقول لا تقرؤا عند إبني بالقرآن فقال بشر وكان إذا قرئ عنده القرآن غشى عليه.

وقال بشر وكان بن الفضيل لا يقدر على قراءة القرآن فقال لأبيه يا أبة ادع الله لعلي استطيع أن أختم القرآن مرة واحدة، ويقول الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة النساء ” أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافا كثيرا ” والتدبر في اللغة هو النظر في العواقب، ويقال لمن نظر في أمر قد أدبر، استدبر فلان أمره، ويقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت، أي لو عرفت في صدره ما عرفت في عاقبته، ومعنى الآية الكريمة هنا هو أنه أفلا يتأملون القرآن ويتفكرون فيه؟ وقال الله تعالى فى سورة ص ” كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ” وقال الله تعالى فى سورة محمد ” أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ” وقال ابن كثير في تفسيره، يقول تعالى آمرا عباده بتدبر القرآن، وناهيا لهم عن الإعراض عنه، وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة، ومخبرا لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب، ولا تضاد ولا تعارض لأنه تنزيل من حكيم حميد، فهو حق من حق، ومن لا يتدبر القرآن لا شك أن على قلبه قفلا، ويقول ابن القيم رحمه الله، تحديق الناظر في القرآن الكريم وتأمله في معانيه وجمع الفكر على تدبره وتعلقه هو المقصود من إنزاله فيقول الله تعالى فى سورة ق ” إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد “

وقال ابن القيم رحمه الله، قلوب الناس عند سماع القرآن ثلاثة أنواع رجل قلبه ميت، فذلك الذي لا قلب له، فهذا ليست الآية ذكرى في حقه، والثاني هو رجل له قلب حي مستعد، ولكنه غير مستمعٍ للآيات المتلوة، التي يخبر بها الله تعالى عن الآيات المشهودة، إما لعدم ورودها، أو لوصولها إليه وقلبه مشغول عنها بغيرها، فهو غائب القلب ليس حاضرا، فهذا أيضا لا تحصل له الذكرى، مع استعداده ووجود قلبه، والثالث هو رجل حي القلب مستعد، تليت عليه الآيات، فأصغى بسمعه، وألقى السمع، وأحضر قلبه، ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه، فهو شاهد القلب، ملقي السمع، فهذا القسم هو الذي ينتفع بالآيات المتلوة والمشهودة، فإن الأول هو بمنزلة الأعمى الذي لا يبصر، والثاني هو بمنزلة البصير الطامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه، فكلاهما لا يراه، والثالث هو بمنزلة البصير الذي قد حدق إلى جهة المنظور، وأتبعه بصره، وقابله على توسط من البعد والقرب، فهذا هو الذي يراه، فعليك أن تحضر قلبك عند قراءة القرآن، فكلما قرأت آية تعرض نفسك عليها أين أنت منها ؟ فهذا التابعي الجليل الأحنف بن قيس رحمه الله كان يقرأ قوله تعالى فى سورة الأنبياء ” لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلان ” أي فيه أخباركم وصفاتكم وأفعالكم.

فيقول فأفتح القرآن وأنظر وأقول أرى بماذا يذكرني ربي اليوم؟ فيقرأ ويقرأ حتى يمر بقوله تعالى كما فى سورة النساء” إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار ” فيقول لست من هؤلاء، لست من هؤلاء، وعندما يقرأ قوله تعالى فى سورة الأنفال ” إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ” فيندم ويقول لست من هؤلاء، ويقرأ قوله تعالى كما جاء فى سورة التوبة ” وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم ” فيقول، أنا من هؤلاء، أنا من هؤلاء، فانظر إلى تفاعل هذا التابعي الجليل مع القرآن العظيم، وعن أسيد بن حضير رضي الله عنه أنه كان يقرأ وهو على ظهر بيته، وهو حسن الصوت، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بينا اقرأ إذ غشيني شيء كالسحاب والمرأة في البيت والفرس في الدار فتخوفت أن تسقط المرأة وتنفلت الفرس فانصرفت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ يا أسيد فإنما هو ملك استمع القرآن، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل كما جاء في سورة إبراهيم ” رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعنى فإنه منى “

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock