دين ودنيا

وقفه مع الصدقة شفاء وداوء ” الجزء الثانى”

إعداد محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع الصدقة شفاء ودواء، وقيل أن منصور بن عمار قال لما قدمت مصر كانوا في قحط، فلما صلوا الجمعة ضجوا بالبكاء والدعاء فحضرتنى نية فصرت إلى الصحن، وقلت يا قوم تقربوا إلى الله بالصدقة فما تقرب بمثلها، ثم رميت بكسائي وقلت هذا جهدى فتصدقوا، حتى جعلت المرأة تلقى خرصها حتى فاض الكساء، ثم هطلت السماء وخرجوا في الطين، فدفعت إلى الليث وابن لهيعة فنظروا إلى كثرة المال فوكلوا به الثقات، ورحت أنا إلى الإسكندرية، فبينما أنا أطوف على حصنها إذا رجل يرمقني قلت مالك؟ قال أنت المتكلم يوم الجمعة؟ قلت نعم قال صرت فتنة قالوا إنك الخضر دعا فأجيب قلت بل أنا العبد الخاطئ فقدمت مصر فاقطعني الليث خمسة عشر فدانا وفي رواية أخرى قال وأخرج لي جارية تعدل قيمتها ثلاثمائة دينار وألف دينار وقال لا تعلم ابني فتهون عليه، وإن الصدقة بمفهومها الواسع، سواء كانت بمال أو طعام أو شراب أو لباس أو كساء أو دواء أو أى منفعة من المنافع.

إنها نجاة للمؤمن من عذاب الله، كما في الحديث المتفق عليه، عن عدى بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة” وفي الحديث الأخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”يا معشر النساء تصدقن، فإني رأتكم أكثر أهل النار” فبين عليه الصلاة والسلام أن الصدقة من أعظم أسباب الوقاية من النار حتى ولو كانت باليسير من الطعام والشراب، كما أن الصدقة دليل على صدق إيمان العبد، ولذلك جاء في الحديث “والصدقة برهان” لأن النفس مجبولة على حب المال، فإذا تغلب العبد على نفسه وأنفق المال في سبيل الله كان ذلك برهانا على أنه يقدم مرضاة الله ومحبوباته على محبوبات نفسه، وبهذا يتبين أن فضل الصدقة عظيم، وثوابها عند الله جسيم، فينبغى لك أن نحرص على الإكثار منها طلبا لمرضاة الله عز وجل.

واقتداء بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وسعيا لسد حاجة المسلمين من الفقراء واليتامى والأرامل والمساكين، ثم هي بعد ذلك سبب لحصول الخير والبركة لنا في العمر، والمال، والذرية، والوقت وسبب لدفع البلاء عنا فى الدنيا والآخرة، ولنعلم إن المال الذى وهبه الله لنا ليس ملكا لنا، بل المال مال الله، وما العباد إلا مؤتمنون على إنفاقه، وذلك اختبار وامتحان، أن ننفقه فيما يحب ويرضى، فيكون لنا خير في الدنيا والآخرة، أم ننفقه في الوجوه المحرمة، والطرق التي لا نجني منها نفعا لا في دنيانا ولا آخرتنا، ويكون بذلك وبالا علينا، وشقاء في الدنيا والآخرة، وإن المسلم الحق يعلم أن لله في ماله حقا، فيخرج زكاة ماله، ويتصدق بعد ذلك ليسد حاجات الفقراء والمحتاجين، ويواسي المنكوبين والمصابين، ويغيث الملهوفين ألا يكفي المسلم حرصا على الصدقة والإنفاق في وجوه الخير أن يعلم أن الصدقة مغفرة للذنوب، ومحق للسيئات، وزيادة وبركة للعمر؟ وأن البخل والشح إنما هو طاعة للشيطان وأتباعه؟

ألا يدفع المسلم للصدقة أن يعلم أن صدقته تدفع عنه المصائب، وتقيه مصارع السوء؟ فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم “صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر” فألا فلنبادر إلى إخراج الزكاة الواجبة، ونتبعها بصدقات التطوع، وليجتهد المسلم في أن تصل زكاة ماله وصدقته إلى من يستحقها، فيبحث عن المحتاجين من أقربائه ومعارفه وزملائه ممن تحل لهم الزكاة فيعطيهم إياها لتكون صلة وصدقة، يتفقد جيرانه المحتاجين، وخصوصاً المتعففين الذين لا يسألون الناس إلحافا، وتصور ما ستنال من أجر وثواب يوم تدخل السرور على أسرة منكوبة فتواسي آلامها، وتخفف متاعبها وكم سترفع لك من دعوة يوم تفرج كرب مكروب، وتدخل البهجة على قلب يتيم محروم، حقا فإن الصدقة متى ما وضعت في محلها الشرعي كان لها من الآثار الحسنة ما لا يخطر على البال، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا جميعا من أهل المعروف في الدنيا والآخرة.

وأن يبارك لنا في أعمارنا وذريتنا وأموالنا وأعمالنا، إنه على كل شيء قدير، فإن الصدقة باب عظيم من أبواب الخير العميم والفضل العظيم فبها شفاء المرض، ودفع البلاء، وتزكية الأموال، وزيادة في الرزق بإذن الله وقد دل على فضلها النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وهناك حقائق ناصعة البياض عن آثار الصدقة، فقال ابن القيم رحمه الله ” فإن للصدقة تأثيرا عجيبا في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو مِن ظالم بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعا من البلاء وهذا أمر معلوم عند الناس، خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مُقرون به لأنهم جرّبوه” وفي كتاب وثائق عائلية من بريدة، من مقتنيات الوالد إبراهيم بن سليمان العمرى رحمه الله، إعداد ودراسة الأستاذ الدكتور عبدالعزيز العُمرى، فيقول وأذكر أنه في أحد أمراض الوالد التى دخل فيها المستشفى صعبت حالته فأدخله الطبيب للعناية المركزة، وقطع عنه الزيارة، فمر عليّ أحد الأقارب، وقال يا عبدالعزيز، داووا أبوكم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock