دين ودنيا

وقفه مع كل نفس بما كسبت ” الجزء الخامس”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع كل نفس بما كسبت، وقد يمتحن المؤمنون بضيق العيش ويكون تكفيرا لذنوبهم، ألا ترى أنه أخبر عن نوح إذ قال لقومه استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا وعن هود ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا فوعدهم المطر والخصب على التخصيص، ويدل عليه ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون أى كذبوا الرسل، والمؤمنون صدقوا ولم يكذبوا، ثم بين الله سبحانه وتعالى أن سنته قد جرت بفتح أبواب خيراته للمحسنين، وبإنزال نقمه على المكذبين الضالين، والبركات وهى جمع بركة وهى ثبوت الخير الإلهى فى الشيء، وسمى بذلك لثبوت الخير فيه كما يثبت الماء فى البركة، وقال الراغب ولما كان الخير الإلهى يصدر من حيث لا يحس، وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر، قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة هو مبارك وفيه بركة، والمعنى هو ولو أن أهل تلك القرى المهلكة آمنوا بما جاء به الرسل، واتقوا ما حرمه الله عليهم، لآتيناهم بالخير من كل وجه.

ولوسعنا عليه الرزق سعة عظيمة، ولعاشوا حياتهم عيشة رغدة لا يشوبها كدر، ولا يخالطها خوف، وقيل أن المراد بالبركات السماوية المطر، وبالبركات الأرضية النبات والثمار وجميع ما فيها من خيرات، ولكنهم لم يؤمنوا ولم يتقوا بل كذبوا الرسل الذين جاءوا لهدايتهم فكانت نتيجة تكذيبهم وتماديهم فى الضلال أن عاقبناهم بالعقوبة التى تناسب جرمهم واكتسابهم للمعاصي، فتلك هى سنتنا التى لا تتخلف، نفتح للمؤمنين المتقين أبواب الخيرات، وننتقم من المكذبين الضالين بفنون العقوبات، وقد يقال إننا ننظر فنرى كثيرا من الكافرين والعصاة مفتوحا عليهم فى الرزق والقوة والنفوذ وألوان الخير، وترى كثيرا من المؤمنين مضيقا عليهم فى الرزق وفى غيره من وجوه النعم، فأين هذا من سنة الله التى حكتها الآية الكريمة؟ والجواب على ذلك أن الكافرين والعصاة قد يبسط لهم فى الأرزاق وفى ألوان الخيرات بسطا كبيرا، ولكن هذا على سبيل الاستدراج، ومما لا شك فيه أن الابتلاء بالنعمة لا يقل خطرا عن الابتلاء بالشدة.

فقد ابتلى الله كثيرا من الناس بألوان النعم فأشروا وبطروا ولم يشكروه عليها فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، والخوف، لأن أصحابها شكروا الله عليها، واستعملوها فيما خلقت له، فكانت النتيجة أن زادهم الله غنى على غناهم، وأن منحهم الأمان والاطمئنان وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وإذا أطلق الصدق مع الله سبحانه وتعالى، فالمراد الصدق في القول، والصدق في الإيمان، والصدق في الوعد، والصدق في العهد، والصق في العزم، والصدق في التطبيق، فهو صدق شامل، وهذا الصدق الشامل مع الله معناه أنك إذا قلت إني أحبك يا رب، وأخافك وأرجوك، فإنك تمتحن بالتكاليف الشرعية، وتمتحن بالأوامر الإلهية وبالنواهي، فإن كنت صادقا في قولك آمنت، فإنك لا ترضى لنفسك أبدأ أن تقع في حرام، أو أن تترك واجبا من الواجبات، فإذا قيل لك إن شرب الخمر حرام، إن شرب الدخان حرام، إن ظلم العامل حرام، إن الغيبة والنميمة حرام، إن إيذاء المسلم فسوق وإجرام، فإنك تعمل كل جهدك لكي لا تقع في ما حرم الله عليك.

وهذا إذا كنت صادقا لهذا يقول سبحانه وتعالى فى سورة الزمر ” والذى جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون” والذي جاء بالصدق، هو النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والذى صدق به هم المؤمنون الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم، وصدقوا في ذلك، وبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادقين عند الله، فيقول “من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وجبت له الجنة” والرضا بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالإسلام دينا المقصود منه، أن ترضى وأنت صادق مع الله عز وجل، وهذا الرضى مع الصدق، هو الذى يجعلك تتحمل جميع المشاق في سبيل أن تصدق مع الله، وأن ترضيه، وهذا هو الذي فعله سلفنا الصالح، الذين صدقوا مع الله، واخلصوا له، فإن خبيب بن عدي أخذه كفار مكة، وصلبوه على الخشبة، وأرادوا قتله، وقال له أبو سفيان وكان كافرا حينئذ، قال له يا خبيب أترضى أن يكون محمد مكانك، وتنجو أنت؟ انظر إلى الرد تعلم الصدق.

فإذا به يقول والله ما أرضى أن يشاك رسول الله صلى الله عليه وسلم بشوكة وأنا حي، فكيف أرضى بأن يكون مكاني؟ يعني أنا فداء لشوكة تصيبه لا أرضى بها، والمرأة المسلمة في غزوة أحد تأتي من بعيد بعد أن سمعت بهزيمة المسلمين، فيقال لها قتل زوجك، فتقول وأين رسول الله؟ فيقال لها وقتل أبوك، فتقول وأين رسول الله؟ فيقال لها وقتل ابنك، وقتل أخوك، فتقول وأين رسول الله؟ حتى إذا رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلت عليه، وأمسكت بثوبه، وقالت كل مصيبة بعدك جلل” أي كل مصيبة بعدك هينة، وإن قتل الزوج والابن والأب، فما دمت أنت حيا، فكأن أحدا لم يقتل، فهل هناك أعظم من هذا الصدق؟ وإننا دخلنا في الإيمان ونحن أسعد الناس بهذا الإيمان، ولو لم يكن لنا في الحياة، لو لم يكن لنا مال ولا بنون ولا زوجات، ولا أولاد، ولا أي شيء نتمتع به إلا أن نشعر بأن قلوبنا مليئة بحب الله، والخوف منه، وأن ألسنتنا مرطبة بذكره، وأن الله أمتن علينا بمعرفته، وأكرمنا بالنطق بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock