دين ودنيا

الصحابي الجليل معاذ بن جبل ” الجزء الرابع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع الصحابى الجليل معاذ بن جبل، وقد توقفنا عندما قرر عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن يذهب إلى الشام بنفسه عن طريق أيلة بعد أن انقضى الطاعون، ويقول ابن كثير الدمشقى عن قدوم عمر إلى الشام “طابت قلوب الناس بقدومه، وانقمعت الأعداء من كل جانب لمجيئه إلى الشام ولله الحمد والمنة” وكان أول ما فعل فور قدومه للشام أن قسَّم مواريث الذين ماتوا لما أشكل أمرها على الأمراء، كما إنه قسّم الأرزاق وسمّى الشواتى والصوائف وسدّ فروج الشام وثغورها، واستعمل عبد الله بن قيس الحارثي على السواحل، ومعاوية بن أبي سفيان على جند دمشق وخراجها، وشرحبيل بن حسنة على جند الأردن، وقيل أن شرحبيل توفى في الطاعون، وأن عمر عزله عن ولاية الأردن قبل وفاته، وولى مكانه معاوية الولاية العامة للشام فقال له شرحبيل “يا أمير المؤمنين، أعجزت أم خنت؟ قال لم تعجز ولم تخن، قال فلم عزلتنى؟ قال تحرجت أن أؤمرك وأنا أجد أكفأ منك، قال فاعذرني يا أمير المؤمنين في الناس.

قال سأفعل، ولو علمت غير ذلك لم أفعل، فقام عمر فعذره، وقد ذكر سيف بن عمر أن قدوم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان في آخر السنة السابعة عشر من الهجرة وهو رأى من يقول بأن الطاعون كان فى السنة السابعة عشر من الهجرة على خلاف المشهور، وأنه لمَّا أراد القفول إلى المدينة في ذى الحجة منها، خطب في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال “ألا إني قد وليت عليكم وقضيت الذى علي فى الذي ولاني الله من أمركم إن شاء الله، فبسطنا بينكم فيأكم ومنازلكم ومغازيكم، وأبلغناكم ما لدينا، فجندنا لكم الجنود، وهيأنا لكم الفروج، وبوأنا لكم ووسعنا عليكم ما بلغ فيؤكم، وما قاتلتم عليه من شامكم، وسمينا لكم أطعماتكم، وأمرنا لكم بأعطياتكم وأرزاقكم ومغانمكم، فمن علم منكم شيئا ينبغي العمل به فليعلمنا نعمل به إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله” ولما جاء وقت الصلاة، قال الناس لو أمرت بلال فأذن؟ فأمره فأذن، يقول سيف ” فلم يبق أحد كان أدرك رسول الله وبلال يؤذن إلا بكى حتى بل لحيته، وعمر أشدهم بكاء.

وبكى من لم يدركه لبكائهم ولذكره، وكانت هذه السنة هي آخر قدوم لعمر إلى الشام، وقد اختلف المؤرخون في أعداد الموتى فى الطاعون ما بين خمسة وعشرين ألفا إلى ثلاثين ألفا، وقال الواقدى توفى فى طاعون عمواس من المسلمين في الشام خمسة وعشرون ألفا، وقيل ثلاثون ألفا، بينما قال الزمخشرى قولا شاذا لم يرد عند غيره فقال إن هذه الآفة ظهرت فى طاعون عمواس في خلافة عمر فمات منها سبعون ألفا في ثلاثة أيام، وقد مات عدد كبير من الصحابة في هذا الطاعون أشهرهم أمير أجناد الشام أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل وزوجتيه وابنه عبد الرحمن، ويزيد بن أبى سفيان، وسهيل بن عمرو، وعتبة بن سهيل، وضرار بن الأزور، وأبو جندل بن سهيل وأبو مالك الأشعرى، وقيل الحارث بن هشام، وقيل شرحبيل بن حسنة أيضا وغيرهم، وقيل أن الحارث بن هشام بن المغيرة خرج في سبعين من أهله إلى الشام، فلم يرجع منهم إلا أربعة، وعن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إلى اليمن، فلما سرت أرسل في إثرى فرددت، فقال أتدرى لم بعثت إليك ؟ لا تصيبن شيئا بغير علم، فإنه غلول ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة لقد أذعرت، فامض لعملك” وعن معاذ قال لما بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، قال لي كيف تقضي إن عرض قضاء ؟ قال قلت أقضي بما في كتاب الله، فإن لم يكن، فبما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإن لم يكن فيما قضى به الرسول ؟ قال أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب صدرى، وقال الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسول الله ” وعن عاصم بن حميد السكوني أن معاذ بن جبل رضى الله عنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج يوصيه، ومعاذ راكب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ، قال يا معاذ، إنك عسى أن لا تلقانى بعد عامى هذا، ولعلك أن تمر بمسجدى وقبرى فبكى معاذ جشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لا تبكى يا معاذ، أو إن البكاء من الشيطان.

وعن عبيد بن صخر أن النبى صلى الله عليه وسلم حين ودعه معاذ، قال “حفظك الله من بين يديك ومن خلفك، ودرأ عنك شر الإنس والجن ” فسار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” يبعث له رتوة فوق العلماء” وعن أبى موسى قال بعثنى النبي صلى الله عليه وسلم خامس خمسة على أصناف اليمن، أنا، ومعاذ، وخالد بن سعيد، وطاهر بن أبى هالة، وعكاشة بن ثور، وأمرنا أن نيسر ولا نعسر” وعن أبى موسى أن النبى صلى الله عليه وسلم لما بعثه ومعاذا إلى اليمن قال لهما يسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تنفرا، فقال له أبو موسى إن لنا بأرضنا شرابا، يصنع من العسل يقال له البتع، ومن الشعير يقال له المزر، قال صلى الله عليه وسلم “كل مسكر حرام” فقال لي معاذ كيف تقرأ القرآن ؟ قلت أقرأه فى صلاتى، وعلى راحلتى، وقائما وقاعدا، أتفوقه تفوقا، يعني شيئا بعد شيء، قال فقال معاذ لكنى أنام ثم أقوم، فأحتسب نومتى كما أحتسب قومتى، قال وكأن معاذا فضل عليه، وعن جابر الجعفى، عن أم جهيش خالته قالت.

بينما نحن بدثينة بين الجند وعدن، إذ قيل هذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافينا القرية، فإذا رجل متوكئ على رمحه، متقلد السيف، متعلق حجفة، متنكب قوسا وجعبة، فتكلم، وقال إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم اتقوا الله واعملوا فإنما هي الجنة والنار، خلود فلا موت، وإقامة فلا ظعن، كل امرئ عمل به عامل فعليه ولا له، إلا ما ابتغى به وجه الله، وكل صاحب استصحبه أحد خاذله وخائنه إلا العمل الصالح، انظروا لأنفسكم واصبروا لها بكل شيء فإذا رجل موفر الرأس، أدعج، أبيض، براق، وضاح، وقال الواقدى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعامله على الجند معاذ بن جبل، وروى سهيل عن أبيه، عن أبى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” نعم الرجل أبو بكر نعم الرجل عمر، نعم الرجل معاذ بن جبل” وعن عقبة بن مسلم، عن أبى عبد الرحمن الحبلى، عن معاذ قال لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال” يا معاذ، إنى لأحبك فى الله، قلت وأنا والله يا رسول الله أحبك في الله.

قال” أفلا أعلمك كلمات تقولهن دبر كل صلاة، رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك” وعن أبى سعيد أن معاذا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد، فسجد معه، فلما سلم، قضى معاذ ما سبقه، فقال له رجل كيف صنعت ؟ سجدت ولم تعتد بالركعة، قال لم أكن لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حال إلا أحببت أن أكون معه فيها، فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فسره، وقال “هذه سنة لكم” وعن الشعبى قال قرأ عبد الله إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا، فقال له فروة بن نوفل إن إبراهيم، فأعادها، ثم قال إن الأمة معلم الخير، والقانت المطيع، وإن معاذا رضي الله عنه كان كذلك، وعن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه قال كان الذين يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة من المهاجرين عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، وثلاثة من الأنصار أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن حارثه، وقيل أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يستشير هؤلاء، فذكر منهم معاذا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock