مقالات

الدكروري يكتب عن قيم التخلي والإيجاب

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن من أعظم أسباب الثبات على الدين الحق هو الإلحاح على الله تعالى بالدعاء مع الضراعة طلبا للثبات عليه والعصمة من الزيغ عنه والبراءة من الحول والقوة إلا بالله تعالى، ويقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” ربي زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب” وتتفرع القيم الإسلامية إلى نوعين، النوع الأول يعرف بقيم التخلي، أي التخلي عن العادات السيئة، مثل شرب الخمر، وفعل الموبقات، والنوع الثاني يسمى القيم الإيجابية، أي التحلي بالقيم الحسنة كالصدق، والرحمة، والأمانة، والكرم، وقدوة المسلمين في ذلك النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وإن من القيم الإيجابية هو الصدق، وهو يشمل صدق اللسان والأفعال والأحوال، وأما صدق اللسان فيقصد به مطابقة واستواء ما يصدر من اللسان على الأقوال، وصدق الأعمال يعني استواء الفعل على الأمر، وأما صدق الأحوال. 

فيعني استواء الجوارح على الإخلاص، وقد حث الله تعالى على الصدق، فقال سبحانه وتعالى “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين” ومنها أيضا الرحمة، ويقصد بها الحالة الوجدانية التي تنبع من رقة القلب وتقوم على مبدأ الإحسان، ومن صور رحمة الله سبحانه وتعالى بالبشرية هو إرسال الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام لهم، حيث قال الله تعالى “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” وإن من صور رحمة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بأمته هو النهي عن السؤال عما سُكت عنه، ومن رحمته بالنساء أنه استوصى بهن خيرا، كما كان يساعد أهله في عمل البيت رحمة بهم، وكان يقبّل الأطفال ويعطف عليهم ويعاملهم بالشفقة واللين، وإن من القيم أيضا هى الأمانة، وتشمل أي حق متعلق بالذمم، فتشمل العرض والنفس والمال والتكليف الشرعي وغير ذلك، كما تشمل الأفعال والأقوال والاعتقادات.

وأعظم الأمانات أمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسالة الوحي التي كلفه الله تعالى بتبيلغها، فأدّاها على أكمل وجه، وإن من القيم أيضا هو الكرم والجود، وهما يدلان على سعة وكثرة العطاء، وقد كان الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أجود الناس وأكثرهم كرما، وقد شمل عطاؤه أنواع الجود كله، فقد بذل نفسه وماله وعلمه في سبيل تبليغ دعوة الإسلام للبشرية، وكان سخيا يؤثر غيره على نفسه، لا يمنع سائلا، ويلتمس أهل الحاجة فيطيهم ما تيسر لديه، وأيضا من القيم هى التزكية، ويقصد بها معنيان الأول هو التطهير، أي تطهير النفس من الآفات والعيوب المعنوية، والثاني هو تنمية الفضائل وعناصر الخير التي تحقّق الصفاء وصلاح الدنيا والآخرة في النفس، وقد بعث النبي محمد عليه الصلاة والسلام لتزكية البشر، فقال الله تعالى ” هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين” 

وكذلك فإن من القيم هو العدل ويقصد به مجانبة الظلم والجور، والتوسط في الأمور، والتزام الحق، ولم يقتصر العدل في الإسلام على التشريعات والأحكام الإسلامية، وإنما شمل حياة الفرد والمجتمع بكل ما فيها، وعلاقات الإنسان كلها، وعمل الإسلام على تحقيق العدل بأشكاله الثلاث، العدل القانوني الذي يعني سريان القوانين على جميع الناس دون تفرقة بينهم، والعدل الاجتماعي الذي ألغى التفرقة بين طبقات المجتمع على اختلافها، وعمل على توفير الحياة الكريمة للناس جميعهم على اختلاف منابتهم وأصولهم، وأخيرا العدل الدولي الذي يعنى برفع الظلم عن المظلومين ومنع استضعاف أحد، والحرص على الوفاء بالعهود والمواثيق، وكذلك الإحسان ويقصد به في الشريعة الإسلامية عبادة الله تعالى، كأن المرء يراه، وقد عرف العز بن عبد السلام رحمه الله، الإحسان بأنه جلب منفعة أو دفع مفسدة، وإن من القيم الإسلامية أيضا الصبر. 

وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الصبر، فصبر على ضيق الحياة وشدتها، وعلى أذى المشركين وكيدهم له، وعلى إيذاء أهل الطائف له من استهزاء وسخرية وعنت، ومن أوجه صبره كذلك صبره على الطاعة، فقد كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه بالرغم من أن الله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأيضا الزهد ويقابله في اللغة الرغبة، ويقصد به عدم الميل إلى الشيء، أما في الاصطلاح فيطلق على الإعراض عن الحياة الدنيا، وما فيها من ملذات وشهوات، وعُرّف أيضا بأنه طلب راحة الحياة الآخرة بترك راحة الحياة الدنيا، وكان النبي الكريم عليه الصلاة والسلام زاهدا في الدنيا، طمعا في نيل الدرجات العليا والنعيم المقيم في الحياة الآخرة، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. 

” عرض على ربى ليجعل لى بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يا رب ولكنى أشبع يوما وأجوع يوما فإذا جعت تضرعت إليك وذكرت وإذا شبعت حمدتك وشكرتك” وورد عن ابن القيم رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعب طعاما قط، فإن رغب به أكله وإن لم يرغب تركه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock