الدكروري يكتب عن الجدال المذموم بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد جبلت الدنيا على كدر، فكم من مصائب وكوارث وأزمات ، يتعرض لها الإنسان في حياته، سواء كان ذلك في نفسه، أو في أهله وماله وأولاده، أو في جسده، أو في دينه، ومجتمعه وأمته، وقد يبتلى المرء في طعامه وشرابه وحريته، وهذا الابتلاء جعله الله سنة في خلقه لم يستثن منه أحدا، حتى أنبياءه ورسله، وهم أقرب الخلق وأحبهم إليه، والمسلم يحتاج إلى أن يحسن التعامل مع الابتلاء، وكيف يستثمره ويستفيد منه، فيقوي إيمانه بالله عندما يدرك أن قدر الله لا مناص منه، فيربي نفسه على التسليم والرضا بما قدر الله عز وجل، وأما عن الجدال المذموم، وهو الجدال الذي يكون الهدف منه تقرير الباطل بعد أن ظهر الحق، أو طلب الجاه، والمال، وقد حذرت النصوص من هذا الضرب من الجدال.
منها وله تعالى “ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير” ومنها جدال المماراة بغية مجاراة العلماء، ومماراة السفهاء، وإرادة لانتصار قوله، وأيضا من أنواع الجدال الجاز، وهو الجدال لتثبيت الحق ودحض الشبهات ومنه جدال النبي صلى الله عليه وسلم لقومه لبيان سبيل الحق وكشف ما عندهم من الشبهات، وهذا النوع من الجدال أحيانا يكون واجبا، وأحيانا يكون مستحبا، فيكون واجبا إذا أثيرت الشبهات في وجه الإسلام، وقام بعض الناس بتزييف الحقائق لطمس معالم الإسلام، أو لتشويه صورته، فقيل هنا تجب المجادلة لتبيين حقائق الإسلام، وكشف زيف خصومه، ومع ذلك فإن المجادلة والحال هكذا يجب أن تكون بالتي هي أحسن كما أمر ربنا تبارك وتعالى.
فليس فيها شيء من السب والشتم، بل ليس فيها إلا إظهار الحق وتبينه للناس، وقد يكون الجدال مستحبا لدعوة غير المسلمين للإسلام، وذلك ببيان ما هم عليه من سوء الديانة وفساد المعتقد، وتحريف ما بين أيديهم من الكتاب إذا كانوا أهل كتاب، مع بيان دين الله تعالى وذلك أيضا لا يكون إلا بالتي هي أحسن كما أمر ربنا تبارك وتعالى، وأما النوع المباح من الجدال، الذى يشيع بين العامة فقد رغب النبى صلى الله عليه وسلم فى تركه، لانه من دواعى الفطرة فيثقل على النفس تركه، وكذلك جاء الترغيب فى تركه من باب درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولأنه يعلم أنه صنو الضلال والإنحراف، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا”
وقدم النبى صلى الله عليه وسلم الوقاية على العلاج، واستأصل الداء قبل نشؤه، وحل المشكلة قبل وقوعها، وقد قيل أن عمر بن عبدالعزيز، رحمه الله، قال ” من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل ” وقال النووى رحمه الله، قال بعضهم ” ما رأيت شيئا أذهب للدين، ولا أنقص للمروءة، ولا أضيع للذة، ولا أثقل للقلب من الخصومة ” وقال أيضا الأوزاعي ” إذا أراد الله بقوم شرا ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل ” وقال أيضا الصمعي ” سمعت أعرابيا يقول من لاحى الرجال وماراهم قلت كرامته، ومن أكثر من شيء عُرف به” وقال عبدالله بن حسين بن علي رضي الله عنهم ” المراء رائد الغضب ، فأخزى الله عقلا يأتيك بالغضب ” وقد جعل النبى صلى الله عليه وسلم الجدال علامة الضلال بعد الهداية.
ومؤشر الإنحراف عن الجادة، وذلك لما يترتب عليه من آثار موبقة ونتائج مهلكة، وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم، أن ذلك الرجل التى لا تهدأ عنده غريزة الجدال، بل تظل ثائرة لأتفه الأمور ويشتد في خصومته، ويجادل حتى يجدل خصمه ويقهره بأنه والعياذ بالله الأبغض الى الله، فعن السيده عائشه رضى الله عنها قالت أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال ” إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ” وقد توعد النبى صلى الله عليه وسلم ذلك الصنف الذى يصر على الجدال فى الباطل رغم علمه به، فقال صلى الله عليه وسلم “ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع “