دين ودنيا

فى طريق المعرفه ومع نبى الله يوسف ” الجزء الخامس “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع نبى الله الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم وهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم جميعا وعلى نبينا محمد الصلاة والسلام، وإن من فوائد قصة يوسف عليه السلام أنه يتعين على الإنسان أن يعدل بين أولاده، وينبغي له إذا كان يحب أحدهم أكثر من غيره وأن يخفي ذلك مهما أمكنه، وهذا ظاهر في قولهم كما قال الله تعالى فى سورة يوسف ” ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبه إن أبانا فى ضلال مبين، اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين ” ومن فوائدها أيضا هو الحث على التحرز مما يخشى ضرره لقوله تعالى ” يا بنى لا تقصص رءياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا ” ومن الفوائد أيضا هو أن بعض الشر أهون من بعض، فحين اتفقوا على التفريق بين يوسف وأبيه، ورأى أكثرهم أن القتل يحصل به الإبعاد الأبدي ” قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه فى غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين ” فخفف به بعض الشر عنهم، وإن من الفوائد أضا هو أن العبرة في حال العبد بكمال النهاية لا بنقص البداية، وذلك لأن إخوة يوسف عليه السلام جرى منهم ما جرى من هذه الجرائم، لكن في آخر أمرهم ونهايته تابوا إلى الله تعالى، وطلبوا السماح من أخيهم يوسف عليه السلام.

وكما طلبوا من والديهم الاستغفار، فحصل لهم السماح التام، والعفو الكامل، فعفى الله تعالى عنهم، وأوصلهم إلى الكمال اللائق بهم، وإن من الفوائد أيضا هو أن الإخلاص لله تعالى أكبر الأسباب لحصول كل خير، واندفاع كل شر، كما قال تعالى فى كتابه العزيز فى سورة يوسف ” كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ” وإن من الفوائد أيضا هو ما دلت عليه القصة من العمل بالقرائن القوية من عدة وجوه، ومنها حين ادعت امرأة العزيز أن يوسف راودها، وقال هي راودتنى عن نفسي، فشهد شاهد من أهلها، أي أنه حكم حاكم بهذا الحكم الواضح، وكانت قد شقت قميص يوسف عليه السلام وقت مراودتها إياه فقال تعالى ” إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين ” لأنه يدل على إقباله عليها، وأن المراودة صادرة منه ” وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين ” فكان هذا هو الواقع، لأنها تريده، وهو يفر منها ويهرب عنها، فقدت قميصه من خلفه، فتبين لهم إنها هي المراودة في تلك الحال، وبعد ذلك اعترفت اعترافا تاما، حيث قالت، ما قاله تعالى فى سورة يوسف ” الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين، ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدى كيد الخائنين ”

ومن العمل بالقرائن وجود الصواع في رحل أخيه، وحكمهم عليه بأحكام السرقة لهذه القرينة القوية، وإن من الفوائد أيضا هو أنه ينبغي للعبد أن يبتعد عن أسباب الفتن، ويهرب منها عند وقوعها، كما فعل يوسف عليه السلام حين راودته امرأة العزيز، وإن من الفوائد أيضا ما عليه يوسف صلوات الله عليه من الجمال الظاهر الذي أخذ بلب امرأة العزيز وشغفها حبا، وحين رأته النسوة قطعن أيديهن وأكبرنه، وقلن ” حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ” وإن من الجمال الباطن، وهو العفة والإخلاص الكامل والصيانة، وإن من الفوائد أيضا وهو أنه ينبغي للعبد أن يلتجأ إلى الله تعالى عند خوف الوقوع في فتن المعاصي والذنوب، مع الصبر والاجتهاد في البعد عنها، كما فعل يوسف عليه السلام ودعا ربه، فقال ” وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ” وإن العبد لا حول ولا قوة ولا عصمة له إلا بالله تعالى، فالعبد مأمور بفعل المأمور وترك المحظور والصبر على المقدور مع الاستعانة بالملك الشكور، وإن من فوائد قصة يوسف عليه السلام، وهو أن استعمال الأسباب الواقية من العين أو غيرها غير ممنوع، بل جائز ومستحب بحسب حاله، وإن كانت جميع الأمور بقضاء الله وقدره، بشرط أن يفعل العبد الأسباب وهو معتمد على مسببها.

لأن يعقوب عليه السلام حين أراد أن يوصي بنيه لما أرسل بنيامين معهم قال ” يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقه، وما أغنى عنكم من الله من شئ إن الحكم إلا لله عليه توكلت ” وإن من الفوائد أيضا هو جواز استعمال الحيل والمكائد التي يتوصل بها إلى حق من الحقوق الواجبة والمستحبة أو الجائزة، كما استعمل نبى الله يوسف عليه السلام ذلك مع أخيه حيث وضع السقاية في رحل أخيه، ثم أذن مؤذن بعد رحيلهم ” أيتها العير إنكم لسارقون ” إلى قوله تعالى كما جاء فى سورة يوسف ” فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك ” وإن من الفوائد أيضا هو استعمال المعاريض عند الحاجة إليها، فإن في المعاريض مندوحة عن الكذب، وذلك من وجوه، ومنها قوله ” ثم استخرجها من وعاء أخيه ” ولم يقل سرقها وكذلك قوله ” معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ” ولم يقل من سرق متاعنا، وإذا قيل، إن هذا اتهام للبريء، بل قيل إنما فعل ذلك بإذن أخيه ورضاه، وإذا رضي، زال المحذور، وإن من الفوائد أيضا هو أن الإنسان لا يحل له أن يشهد إلا بما يعلم، لقولهم ” وما شهدنا إلا بما علمنا ” وإن العلم يحصل بإقرار الإنسان على نفسه وبوجود المسروق ونحوه معه.

وفي يده أو رحله، وإن من الفوائد أيضا هو هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيه وصفيه يعقوب عليه السلام، حيث قضى بالفراق بينه وبين يوسف عليه السلام هذه المدة الطويلة، التي يغلب على الظن أنها تبلغ ثلاثين سنة فأكثر، وهو في هذه المدة لم يفارق الحزن قلبه، وهو دائم البكاء حتى ابيضت عيناه من الحزن، وفقَد بصره، وهو صابر لأمر الله، محتسب الثواب عند الله تعالى، قد وعد من نفسه الصبر، ولا شك إنه وفى بذلك، ولا ينافي ذلك قوله ” إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله ” فإن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر، وإنما ينافي الصبر الشكوى إلى المخلوق، وإن من الفوائد أيضا هو أن الفرج مع الكرب، فإنه لما اشتد الكرب بيعقوب وقال ” يا أسفى على يوسف ” وقال ” يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ” وهم حين دخلوا على يوسف عليه السلام، وقفوا بين يديه موقف المضطر، فقالوا ” يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة ” أي قليلة حقيرة، لا تقع الموقع، فأوف لنا الكيل ” وتصدق علينا إن الله يجزى المتصدقين ” فحينئذ لما بلغ الضر منتهاه من كل وجه عرفهم بنفسه، فحصل بذلك البشارة الكبرى لأبويه وإخوته وأهلهم، وزال عنهم الضر والبأساء، وخلفه السرور والفرح والرخاء، ومن تلكم القصص قصة نبي الله يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.

التي قال الله تعالى فيها ” نحن نقص عليك أحسن القصص ” فهى قصة ذلكم الشاب المتمسك بدينه، العاض عليه بالنواجذ، الذي كيد له منذ نعومة أظافره وريعان شبابه ممن يفترض منهم ولايته ونصرته، وظلم ذوي القربى أشد مرارة على المرء من وقع الحسام المهند فقد تم التآمر عليه من أقرب الناس إيه وهو إخوته، فيلقونه في البئر، ويرحمه الله تعالى من الآفات، ويطمئنه مولاه بظهوره عليهم، ويتعرض بعد هذا لاسترقاق رقبته، يباع ويشترى، وهو نبي ابن نبي، الكريم بن الكريم، بل ولما قد يكون أشدة فتنة من ذلك، وهو العيش في داخل قصر الملك، ويبتلى بعد ذلك ليوقع في عفافه وسلوكه، فيعافيه الله من ذلك، ويهدد بعد بالسجن إن لم يفعل ما طلبته منه امرأة العزيز ذات المنصب والجمال، فيأبى، ويبقى على عفافه وطهره، ورغم ظهور نزاهته وصدقه يأبى الفجور والطغيان كما هي عادته، إلا أن يتمادى في غيه، وذلكم تغطية للكذب لما ادعي به عليه، فإن هذه الفتنة التي حصلت للكريم بن الكريم، وهي مراودة امرأة العزيز له، وتفهموا خطورة وجود الرجل الأجنبي في محيط النساء، وهنا أود أن أهمس في أذن من مكنوا السائقين من ولوج بيوتهم والتردد عليها في غيبتهم بحجة إيصال الحاجيات أو الذهاب بالنساء، أو أولئك المزارعين.

الذين يجعلون نساءهم يختلطن بالعمال عند قطف المحاصيل أو غير ذلك، أقول لهم تذكروا هذه القصة، وأنه “ما خلا رجل بامرأة، إلا كان الشيطان ثالثهما” ومَن مِن هؤلاء كطهر يوسف وعفافه؟ فمن منهم سيقول معاذ الله، إنه ربي أحسن مثواي؟ أين من لا يبالون بالاختلاط بين الجنسين؟ أين من يرمون بناتهم في مجامع الرجال؟ أما يتقون الله ويحفظون أعراضهم ويبعدون الأجانب عن بيوتهم؟ ولقد كان يوسف عليه الصلاة و السلام أثناء محنته يعيش هم الدعوة إلى الله، مهتما بترسيخ التوحيد الخالص في النفوس، الذي هو وظيفته ووظيفة آبائه من قبل، فقال سبحانه وتعالى فى سورة يوسف ” واتبعت ملة آبائى إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شئ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون، يا صاحبى السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآبائكم ما أنزل الله بها من سلطان، إن الحكم إلا لله، أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون” وكان بعد هذه المحن العظمى، محنة التآمر على يوسف بالقتل التي خففت إلى إلقائه بالبئر، ومحنة تعرضه للاسترقاق، ومحنة ابتلائه في عفافه، ومحنة لبثه في السجن بضع سنين، وبعد هذا كله تظهر براءته عليه السلام، ثم يعلي الله شأنه وأمره.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock