بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن المعاملات هو ما كان المقصود منها في الأصل قضاء مصالح العباد كالبيع والكفالة والحوالة ونحوها، وكون البيع أو الشراء قد يكون واجبا لعارض لا يخرجه عن كونه من المعاملات، كما لا تخرج الصلاة مع الرياء عن كون أصل الصلاة عبادة، وإن الإنسان لا يحيا بدون الأكل على ما عليه جبلته، فلا بد من أن يعيّن بعض الزمان للصوم وبعضه للفطر، فتعينت النهار للصوم لأن الابتلاء يتحقق فيها لأن في النفس داعية إلى الأكل والشرب وذلك فى النهار في العادة، فيتحقق خلاف هوى النفس بالإمساك عن الشهوات فيه، فأما الإمساك في الليل فعلى وفاق هواها، فلا يتحقق فيه معنى الابتلاء على الكمال إذ أصل بناء العبادة على مخالفة العادة لا على موافقتها، وكره صوم الدهر لأنه يضعفه أو يصير طبعا له ومبنى العبادة على مخالفة العادة.
وإن نهي المرأة عن التنقب والقفازين يدل على أن حكم إحرام المرأة يتعلق بوجهها وكفيها والسر في ذلك، وفي تحريم المخيط وغيره مما ذكر والله أعلم مخالفة العادة، والخروج من المألوف لإشعار النفس بأمرين أحدهما الخروج عن الدنيا، والتذكر للبس الأكفان عند نزع المخيط والثاني تنبيه النفس على التلبس بهذه العبادة العظيمة بالخروج عن معتادها وذلك موجب للإقبال عليها، والمحافظة على قوانينها وأركانها، وشروطها وآدابها، ويتبين مما سبق أن أهم ما يميز العبادة عن العادة لزوم استحضار نية التقرب إلى الله تعالى في كل عبادة امتثالا لأمره مع إظهار التذلل والخضوع له بصورة خاصة غير معتادة في الحياة الاجتماعية للناس، لأن مبنى العبادة على مخالفة العادة والخروج من الشعور المألوف.
ولا يلزم شيء من ذلك في العادات، وإن كانت محاسنها توصف بأنها طاعات يثاب عليها، بل ويجب أحيانا الرجوع إليها فيما لا نص فيه باعتبارها دليلا من أدلة الأحكام الشرعية التي أحال عليها الشرع الشريف، ولهذا كان بعض الواجبات مبتناه على العرف والعادة، ولم يلزم من وصفها بالوجوب أنها من العبادات، ومن المعلوم أن من أعظم أسباب استقامة العبد في سيره إلى الله أن يكون له طاعات يلازمها، ويحافظ عليها، ويعتادها، لا يفرط فيها ولا يتهاون، ولا يتكاسل عنها، وهكذا كان عمل النبي صلى الله عليه وسلم “ديمة” أى دائما، ثابتا، مستمرا، وكان أهله إذا عملوا عملا أثبتوه، أما العادة بمعنى أن لا يشعر الإنسان بالعبادة ، فيفعلها بصورة آلية لا روح فيها، فإنه خطر ينبغي على الإنسان أن ينتبه إليه.
فإن الأجر مرتب في العبادة على حضور القلب فيها، كما قال سبحانه وتعالى ” قد أفلح المؤمنون، الذين هم فى صلاتهم خاشعون” فمن المهم أن يكون القلب حاضرا في العبادة غير منشغل عنها، وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله قيل له قرأت في أحد الكتب نصيحة وهي ألا تجعل من عبادة الله عادة، كيف يجعل المسلم من عبادة الله عبادة لله وليست عادة اعتادها؟ فأجاب رحمه الله، بأن المعنى لا تصلها كعادة صلها قربة، أن تتقرب بها إلى الله، ما هو من أجل العادة إذا صليت الضحى، صلها لأجل التقرب إلى الله، ما هو لأنها عادة، وهكذا إذا صليت التهجد بالليل، تصليها لأنها قربة، لأنها طاعة، ما هو لمجرد العادة، أو لأنه فعلها أبوك أو أمك”
زر الذهاب إلى الأعلى