( المخ بين العقل والذكاء والتفكير )

بقلمي جمال القاضي

ربما يختلط الأمر على الكثير ويظن أن كل من الذكاء والتفكير مفهوما واحدا، ويظن أيضا أن كل ذكي قادر على التفكير وكل ذكي هو شخص عاقل ،
ولكي نفهم الفرق بين كل منهما علينا أولا أن نجيب على تساؤلات كثيرة .

وهي :
ماهو معنى ومفهوم الذكاء
هل جعل الله الذكاء صفة يتميز بها البشر عن باقي الكائنات التي خلقها الله على هذه الأرض ؟
هل الحيوانات والطيور لديها نوعا من الذكاء ؟
– هل البشر جميعا يتمتعون بالذكاء ؟
هل المجنون ذكي ؟
ماهو التفكير وماهو الذكاء وهل كلاهما واحد ؟
هل هناك علاقة بين العقل و التفكير والذكاء ؟
وللإجابة على كل هذه التساؤلات علينا أولا أن نتعرف عن مفهوم كل من الذكاء والتفكير والعقل

الذكاء :

إختلف العلماء في تفسير معنى الذكاء وكان مصدر هذا الإختلاف على حسب إختلاف المجال الذي تخصص فيه العالم ، فهو عند علماء علم النفس يعرف على أنه كل مايقوم به العقل من تفكير ونشاط يتفق مع البيئة والطبيعة التي يعيش فيها الإنسان، ومنهم من عرّفه على أنّه نقد للشخص لتوجيه سلوكه، والبعض عرّفه بالقدرة على اكتساب كلّ ما هو جديد وتعلّم مهارات جديدة واكتساب خبرات وذلك كله من أجل مواجهة المشكلات التي تعترض الإنسان في حياته. توضّح لنا بأنّ الاختلاف في تعريف الذكاء طبيعي بسبب تفسير كل فيلسوف ومفكّر لتعريف الذكاء من خلال البيئة والعصر والظروف التي عاشها .

هذا التعريف للذكاء فيما يتعلق بالإنسان ، لكنه يختلف بين الحيوانات وجاء الإختلاف فيما بين الحيوانات نتيجة إختلاف البيئة التي يعيش بها الحيوان ، فالذكاء عند الحيوانات ذكاء فطري
وهناك بعض هذه الحيوانات لو نظرنا وشاهدنا ماتفعله لظننا أنها تمتلك ذكاءً خارقا بالنسبة لغيرها من الحيوانات بأنواعها المختلفة .

فمثلا نرى علماء علم الحيوان يعظمون قدرة نوع من القرود لأنه يستطيع أن يكسر الجوز بإلقاء الحجر عليها, وبما أنه يستطيع استخدام مثل هذه الأدوات البسيطة يعتبرونه وصل لمستوى عالي في الذكاء, بينما حيوانات كثيرة تستخدم الأدوات من أجل الغذاء و بعبقرية أيضا
مثل نوع من الطيور يسمى ( مالك الحزين الأخضر) حيث أنه يضع طعماً على سطح النهر لتقترب منه الأسماك ثم يصطادها كما يفعل الصياد من البشر .

ونوع من الببغاوات يقتطع من ورق الشجر ليضعها بين منقاره وبين الجوزة حتى يسهل كسرها, مثلما نستخدم قطعة قماش حتى نفتح بها علبة المشروب الغازي ، وكل هذا هو نوع من الذكاء بين الأنواع المختلفة من الكائنات الحية .

نستنتج مما سبق أن الذكاء تتمتع به جميع الكائنات الحية

لكن هل كل ذكي قادر على التفكير ؟

ماهو التفكير أولا ؟

التفكير هو القدرة على جمع المعلومات وترتيبها بالشكل الصحيح وهو القدرة أيضا على التخطيط ووضع الأهداف وتحليل النتائج والبحث فيها وكذلك القدرة على حل المشكلات .

أما العقل :

فهو مجموعة من القوى الإدراكية التي تتضمن الوعي، المعرفة، التفكير، الحكم، اللغة والذاكرة. وهو غالبًا ما يعرف بملكة الشخص الفكرية والإدراكية. يملك العقل القدرة على التخيل، التمييز، والتقدير، وهو مسؤول عن معالجة المشاعر والانفعالات، مؤديًا إلى مواقف وأفعال، كذلك هو القدرة على التميز بين الخطأ والصواب ، الحلال والحرام .

ولايتمتع بالعقل سوى الإنسان وليس جميعهم أيضا عاقل ، فهناك ذكي وليس له عقل أو قادر على التفكير ، وعلى سبيل المثال لو نظرنا إلى الشخص المعتوه أو ضعيف الذكاء ، وكذلك المجنون فاقد العقل في أحد الشوارع ، ترى منهم من يمسك بحجر أو قطعة من الخشب ويظنها مايك يتحدث فيه بكلمات سمعها من غيره ويظل يرددها بصفة مستمرة ، أو أنه قد يؤلف كلمات بسيطة متناسقة ثم يرددها هي الآخرى ، لكنه قد يظهر عاريا في وسط التجمعات من البشر ليقضى حاجته ، ففي الحالة الأولى كان نوعا من الذكاء وفي الحالة الثانية كان فيها فاقدا عقله وتفكيره فقد معه الثواب لتصرفاته .

ماهو دور المخ في وصف الذكاء والتفكير ؟

يوجد بالمخ البشري نقاط كثيرة من الأعصاب ، منها ماهو مسؤل عن ترتيب المعلومات التي يحصل عليها الإنسان عند تعرضه للمواقف في حياته اليومية ، ومنها ماهو مسؤل عن الإستجابة ورد الفعل ، ومنها ماهو مسؤل عن تخزين تلك المعلومات لإستدعاؤها مرة آخرى ، ودور التفكير هنا هو التنسيق بين كل هذه النقاط ليستغلها العقل في الترجمة التي تناسب التصرف فيمايتعرض له الإنسان .

والتفكير هو حلقة وصل مابين المخ وذكائه والعقل وتصرفاته

ورغم أن المجنون والحيوانات والطيور تمتلك نوعا من الذكاء إلا أنها تفقد العاملين الآخرين وهما التفكير والعقل .

ولو أن الذكاء هو العقل والتفكير لذكر الله في آيات القرأن الكريم الذكاء بدلا من العقل ولكنه ذكر العقل لأن العقل والتفكير لايميز به سوى البشر قال تعالى “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ”

وفي النهاية : الذكاء يوجد في جميع الكائنات الحية والعقل والتفكير كلاهما لايوجد سوى في الإنسان والذي ميزه الله به عن باقي الكائنات جميعا بالعقل فأصبح من صفات من يتمتع بهذا العقل هو الوعي والتدبر .