الدكروري يكتب عن ثمانية لابد منها على الفتى بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن طبيعة الإنسان، هي أن يهن عظمه، وتضعف قوته وحيلته، ويفتقر إلى معونة غيره، فإنها ثمانية لابد منها على الفتى، ولابد أن تجرى عليه الثمانية، سرور وهم واجتماع وفرقة، وعسر ويسر ثم سقم وعافية، ومن الشيخوخة مرحلة متأخرة سماها القرآن الكريم أرذل العمر، فقال تعالى ” ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكى لا يعلم من بعد شيئا” وأرذل العمر كما قال ابن عباس رضى الله عنهما أردؤه ولقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم بالله من أمور خمسة فقال “اللهم إنى أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر” رواه البخاري، فاستعاذ النبى صلى الله عليه وسلم بالله أن يُردّ إلى أرذل العمر فينسى بعد تذكر، ويضعف بعد قوة، ويصبح كلا على غيره.
وبنتا الرجل الصالح شعيب عليه السلام ” قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير” فهذا الحال الملجئ لنا إلى ما ترى، فأبونا شيخ كبير لا قوة له على السقي، فلذلك احتجنا نحن إلى سقي الغنم، فليس فينا قوة، نقتدر بها، ولا لنا رجال يزاحمون الرعاء، وهؤلاء هم إخوة يوسف ” قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين” فقد قالوا مستعطفين ليوفوا بعهد أبيهم إن له أبا شيخا كبيرا أي كبير القدر، يحبه ولا يطيق بُعده، فإن هذا هو شيء من شأن الكبير وقدره في كتاب الله تبارك وتعالى، ولقد جاء دين الإسلام بخلق البر والإحسان للشيوخ وكبار السن، ورعاية حقوقهم، وتعاهدهم، وعد هذا الأمر من أعظم أسباب التكافل الاجتماعي ومن جليل أعمال البر والصلة، ذلك أنه عندما يتقدم العمر ويهن العظم ويشتعل الرأس شيبا.
يحتاج الكبير إلى رعاية خاصة واحترام وتبجيل وحسن صحبة ومعروف، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم، فأبطأ القوم عنه أن يُوسعوا له، فقال صلى الله عليه وسلم” ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا ” رواه أَبو داود، والترمذي، وفى روايه قال ” حق كبيرنا” والشيوخ والكبار لهم فضل في الإسلام، ولهم حقوق وواجبات تحفظ قدرهم فالخير والبركة في ركابهم، والمؤمن لا يزاد في عمره إلا كان خيرا له، فقال صلى الله عليه وسلم ” واجعل الحياة زيادة لي في كل خير ” وقال أيضا “وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا ” رواهما مسلم، وكبار السن الصالحون خير الناس فعن عبدالله بن بسر أن أعرابيا قال يا رسول الله، مَن خير الناس؟ قال ” من طال عمره، وحسن عمله “
لأن من طال عمره ازداد علمه وإنابته ورجوعه إلى الله عز وجل والشباب شعبة من الجنون، فيزداد الرجل في الشباب في الشهوات واللذات، والشيخوخة موجبة للخير والزهادة في الدنيا، فقيل دخل سليمان بن عبدالملك مرة المسجد، فوجد في المسجد رجلا كبير السن، فسلم عليه، وقال يا فلان، تحب أن تموت؟ قال لا، ولم؟ قال ذهب الشباب وشره، وجاء الكبر وخيره، فأنا إذا قمت قلت بسم الله، وإذا قعدت قلت الحمد لله، فأنا أحب أن يبقى لي هذا، فإن كبار السن أهل تجربة وخبرة ومعرفة ببواطن الأمور عركتهم الحياة ودربتهم المواقف وأنضجتهم الأحداث ففي صحبتهم بركة فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه صلى الله عليه وسلم قال ” الخير مع أكابركم ” وفي رواية ” البركة مع أكابركم ” وقال المناوي” فالبركة مع أكابركم المجربين للأمور، والمحافظين على تكثير الأجور، فجالسوهم لتقتدوا برأيهم وتهتدوا بهديهم” .