دين ودنيا

وقفه مع شهر رمضان ” الجزء الثالث “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

نكمل الجزء الثالث مع شهر رمضان، إن الفرح بقدوم الشهر من علامات الإيمان، وتحرى هذا الهلال أيضا مما كان يحرص عليه السلف رحمهم الله، وكان القاضى يخرج مع الناس إلى ظاهر البلد لتحرى الرؤية، وينبغى التزود بالعلم النافع من معرفة الأحكام المتعلقة بالعبادات في هذا الشهر ففيه صيام، وقيام، وكثير من الناس يخرجون فيه الزكاة، وفيه اعتكاف، وكثير من الناس يعتمر فيه، وفي نهايته صدقة الفطر، وهكذا من عبادات حتى في أحكام المساجد يحتاج الناس إلى تعلمها استعدادا لدخول هذا الشهر، هذه المساجد بيوت الله في الأرض التي يحبها، ولقد اقتضت حكمة الله تعالى تفضيل بعض الناس على بعض، وبعض الأماكن على بعض، وبعض الشهور على بعض، ومن هذه الأشهر التى فضلها شهر رمضان، فهذا الشهر الكريم له فضائل وخصائص تميزه عن غيره من الشهور، ومن هذه الفضائل والخصائص التى اختص بها شهر رمضان المبارك عن غيره من الشهور أنه شهر رمضان تفتح فيه أبواب الجنة.

فيقول صلى الله عليه وسلم” فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين” فقال القاضى عياض رحمه الله يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن تفتيح أبواب الجنة وتغليق أبواب جهنم وتصفيد الشياطين علامة لدخول الشهر وتعظيم لحرمته ويكون التصفيد ليمتنعوا من إيذاء المؤمنين والتهويش عليهم ، وقال ويحتمل أن يكون المراد المجاز ويكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل إغواؤهم وإيذاؤهم ليصيروا كالمصفدين ويكون تصفيدهم عن أشياء دون أشياء ولناس دون ناس ويؤيد هذه الرواية الثانية فتحت أبواب الرحمة وجاء في حديث آخر صفدت مردة الشياطين ، قال القاضي عياض ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله تعالى لعباده من الطاعات في هذا الشهر التي لا تقع في غيره عموما كالصيام والقيام وفعل الخيرات والانكفاف عن كثير من المخالفات وهذه أسباب لدخول الجنة وأبواب لها وكذلك تغليق أبواب النار وتصفيد الشياطين عبارة عما ينكفون عنه من المخالفات.

ومعنى صفدت غللت وقيدت ، وأيضا فإن شهر رمضان وصيامه يكفر الذنوب، فقال صلى الله عليه وسلم “الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان” أى صلاة الجمعة منتهية إلى الجمعة وصوم رمضان منتهيا إلى صوم رمضان “مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر” شرط وجزاء دل عليه ما قبله ومعناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فلا تغفر لا إن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة فإن كانت لا تغفر صغائره، وأيضا فإن العمرة فى رمضان ثوابها مضاعف، وقوله صلى الله عليه وسلم “عمرة في رمضان تعدل حجة” في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزى عن حج الفرض، ومن فضائل رمضان وخصائصه نزول القرآن الكريم فيه، وقال الإمام ابن كثير رحمه الله يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، وكما اختصه بذلك قد ورد الحديث بأنه الشهر الذى كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء.

ومن فضائل رمضان وخصائصه ليلة القدر التى هى خير من ألف شهر، ولقد بين فضلها وعظمها، وفضيلة الزمان إنما تكون بكثرة ما يقع فيه من الفضائل وفي تلك الليلة يقسم الخير الكثير الذى لا يوجد مثله في ألف شهر، وقال كثير من المفسرين أى العمل فيها خير من العمل فى ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وقال أبو العالية ليلة القدر خير من ألف شهر لا تكون فيه ليلة القدر وقال الإمام ابن كثير رحمه الله يخبر تعالى أنه أنزل القرآن ليلة القدر, وهى الليلة المباركة التي قال عنها الله عز وجل، وقال ابن عباس وغيره أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا, ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع فى ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقوله صلى الله عليه وسلم ” ليلة خير من ألف شهر” أى العمل فيها أفضل من العمل فى ألف شهر ليس فيها ليلة القدر “من حرم” والمحروم الممنوع أى من منع خيرها بأن لم يوفق لا حياء والعبادة فيها ” فقد حرم” أى منع الخير كله.

والمراد حرمان الثواب الكامل أو الغفران الشامل الذى يفوز به القائم في إحياء ليلها، ومن فضائله وخصائصه صلاة التراويح فقد أجمع المسلمون على سنية قيام ليالي رمضان ، وقد ذكر النووى أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح يعنى أنه يحصل المقصود من القيام بصلاة التراويح، وقوله صلى الله عليه وسلم ” من قام رمضان إيمانا” أى تصديقا بأنه حق معتقدا فضيلته واحتسابا يريد به الله وحده لا رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص غفر له ما تقدم من ذنبه، والمعروف عند الفقهاء أن هذا مختص بغفران الصغائر دون الكبائر، وقال بعضهم ويجوز أن يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة أي بوجوب ، وقال الإمام النووى رحمه الله قوله “من قام رمضان” هذه الصيغة تقتضى الترغيب والندب دون الإيجاب واجتمعت الأمة على أن قيام رمضان ليس بواجب بل هو مندوب، وقال الإمام ابن بطال رحمه الله وفى جمع عمر الناس على قارئ واحد دليل على نظر الإمام لرعيته في جمع كلمتهم.

وصلاح دينهم، وفيه أن الجماعة المتفقة فى عمل الطاعة مرجو بركتها، إذ دعاء كل واحد منهم يشمل جماعتهم، فلذلك صارت صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، فيجب أن تكون النافلة كذلك وفيه أن قيام رمضان سنة لأن عمر لم يسن منه إلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم، بالعلة التي منعته من الخروج إليهم، وهى خشية أن يفترض عليهم، وكان بالمؤمنين رحيما ، فلما أمن عمر أن تفترض عليهم فى زمانه لانقطاع الوحى أقام هذه السنة وأحياها، وذلك سنة أربع عشرة من الهجرة فى صدر خلافته، وقال المهلب وفيه أن الأعمال إذا تركت لعلة، وزالت العلة أنه لا بأس بإعادة العمل، كما أمر عمر صلاة الليل في رمضان بالجماعة ، وفيه أنه يجب أن يؤم القوم أقرؤهم، فلذلك قال عمر أُبى أقرؤنا ، فلذلك قدمه عمر، وهذا على الاختيار إذا أمكن، ومن فضائله وخصائصه الاعتكاف، وأن الاعتكاف سنة واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه من بعده.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock