أدب وشعرمقالات

وقفه مع أهلا رمضان ” الجزء السابع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السابع مع أهلا رمضان، وقد توقفنا عند قول الله عز وجل فى كتابه العزيز فى سورة الشعراء ” يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم ” ويعنى أن أثمن شيء تلقى الله به هو قلبك السليم، فما تعريف القلب السليم؟ فهو القلب الذى برئ من شهوة لا ترضى الله، وبرئ من تصديق خبر يتناقض مع وحي الله، وبرئ من أن يفتقر إلى غير الله، وبرئ من أن يحكم غير شرع الله، فهذا القلب السليم، يحتاج إلى جهد كبير، فاجعلوا رمضان شهرا خالصا لله عز وجل، ولا تجعلوه شهرا اجتماعيا، وشهر زيارات، وشهر سهرات، وشهر ولائم، وشهر فرفشة، كما يقول العوام حتى السحور، ونصلى قبل الفجر العشاء، ثم ننام، فاجعل هذا الشهر شهر تقرب إلى الله عز وجل، ولا تعبأ بما حولك، ولا تعبأ بالعادات والتقاليد، فهذه العادات والتقاليد ينبغى أن تكون تحت قدمك إذا تناقضت مع منهج الله، وهذه العادات والتقاليد ينبغى أن تكون تحت قدمك إذا حالت بينك وبين الله، وهذه العادات والتقاليد ينبغي ألا تعبأ بها ما دمت راضيا.

لله عز وجل، فهذا الشهر الكريم فيه عتق من النار، وفيه رحمة من الله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جوادا، وكان أجود ما يكون في رمضان، فهو شهر الإنفاق، ويقول الله تعالى فى حديثه القدسى “عبدى أنفق أنفق عليك” فإنه جنيه تنفقه في حياتك خير من مائة ألف جنيه ينفق بعد مماتك، فإنه شهر الإنفاق، وشهر الجبر بتعبير العامة، وشهر العطاء، وشهر المواساة وشهر صلة الرحم، لا شهر الفسق، ولا شهر الانحراف، ولا شهر الولائم التي لا ترضي الله، فيها اختلاط، وفيها نساء بأبهى زينة وهن جميعا في رمضان في تبذل وقلة احتشام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قراءة القرآن فى رمضان فيجب أن ترسم برنامجا لك جديدا في رمضان، ودورة مكثفة، ودورة من ثلاثين يوما، ولا بد من أن تخرج من رمضان إنسانا آخر، وإن هذا الذى يقفز قفزة نوعية في رمضان، ثم يعود إلى ما كان عليه قبل رمضان فإن هذا ما انتفع من رمضان، فهذه القفزة النوعية ينبغي أن تستمر، يوم الفطر تأكل وتشرب وتفعل ما هو مباح.

أما ضبطك للسانك، وضبطك لبصرك، وضبطك لعينيك، وضبطك لإنفاقك، فهذا الضبط الذى كان فى رمضان ينبغي أن يستمر بعد رمضان كي يكون لك في كل شهر في العام قفزة نوعية إلى الواحد الديان، أما معظم الناس يضبطون أنفسهم في رمضان فإذا ذهب رمضان فلسان حالهم يقول رمضان ولى هاتها يا ساقى مشتاقة تسعى إلى مشتاق، وهذا النمط الذى لا يرضي الله، فأنت مع الله في كل أيام العام فينبغي أن تستقيم في كل أيام السنة، وينبغى أن تكون خاضعا لمنهج الله عز وجل في كل الشهور والأعوام، وهذا المفهوم الصحيح، أما أن يقول أنا في رمضان لا أعصى الله وبعد رمضان الحال هو حال آخر، إذن ما انتفعت من رمضان شيئا، فعلى المسلم أن يهيئ نفسه لاستقبال هذا الشهر العظيم، فإن هناك معانى كثيرة فى رمضان، وهكذ فكيف أن المركبة أحيانا ينبغى أن يُحمَّى محركها، كي يكون جاهزا مع أول انطلاقة إلى هدفها، كذلك نحن قبل رمضان نهيئ أنفسنا لاستقبال هذا الشهر العظيم فلعل الله سبحانه وتعالى يجعلنا من عتقاء شهر رمضان.

ولا بد من أن أذكر لكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنته القولية معرفتها فرض عين، وسيرته العملية معرفتها فرض عين، لماذا؟ لأن الله يأمرك ويقول تعالى فى سورة الحشر ” وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ” ولكن كيف نأتمر؟ فما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوامر نأتمر به، وكيف ننتهى عما نهانا عنه، فإن لم نعرف، فلا بد من لزوم مجالس العلم، وهذا الوهم أن يقول أنا لست بحاجة إلى هذه المجالس، فمن قال لك ذلك؟ فأنت في أمس الحاجة إليها، فكيف تعبد الله؟ إن لم تعرف أمره ونهيه، وكيف تعالج نفسك من ضغط الدم المرتفع لا سمح الله، إن لم تقس ضغطك كل يوم، فلن تعرف هل عندك ضغط مرتفع أم لا؟ وكيف تعبد الله؟ وكيف تأتمر بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف تنتهى عما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإن لم تعرف ماذا يأمر، وعن ماذا نهى تبق جاهلا، فأنت حينما تحضر درس تفسير، أو درس حديث شريف، أو درس فقه، فأنت تفعل شيئا من صلب الدين.

لأنه اتباع بلا معرفة، وما مشكلة أهل النار في النار إلا من قولهم كما قال الله تعالى قى سورة الملك ” وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير” فإن أزمة أهل النار هى أزمة علم فقط، لذلك كما أنك إذا أديت زكاة مالك حفظ الله لك بقية مالك، وإذا أديت زكاة الوقت بارك الله لك في وقتك، وأداء زكاة الوقت وهو أن تقتطع منه جزءا لمعرفة الله تعالى، ألم يقل الله عز وجل فى سورة الفرقان ” وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا” فما معنى هونا؟ وهو يعنى أنه عُرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا سار كأنه ينحط من صبب، والسيدة عائشة تقول “رحم الله عمرا ما رأيت أزهد منه، كان إذا سار أسرع، وإذا أطعم أشبع، وإذا قال أسمع” فكيف يمشون هونا ويمشون هونا أى لا يسمحون للدنيا أن تصرفهم عن هدفهم، ولا يسمحون لمشكلاتهم أن تبعدهم عن تحقيق ذواتهم، ولا يسمحون لمعركة جانبية في الدنيا أن تحجبهم عن خالقهم، يمشون هونا، أى أنهم يقتطعون من وقتهم الثمين وقتا لمعرفة الله تعالى، لحضور مجالس العلم.

ولتلاوة القرآن، ولقراءة السنة النبوية الشريفة، أما ألا نعبأ إلا بالعمل الدنيوى، وإلا بكسب المال، فمثل هذا الإنسان يأتيه الموت فجأة، وهو صفر اليدين، فيقول كما وصفه لنا المولى سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الفجر ” يقول يا ليتنى قدمت لحياتى، فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد” فيجب علينا جميعا أن نستقبل هذا الشهر الكريم بأسلوب يرضى الله عز وجل، وبطريقة وفق منهج الله تعالى، ولا نتبع التقاليد والعادات التي ألفها مجتمعنا، والتى حجبته عن الله عز وجل، وحجبته عن قطف ثمار العبادة، فهناك عبادة الجهلاء وهى ترك الطعام والشراب فقط، وهناك عبادة المؤمنين وهى ترك كل مخالفة لا ترضي الله عز وجل، ولكن عبادة الأتقياء هو ترك ما سوى الله، ورمضان هو إما أن تدافع التدنى، أو أن تتابع الترقى، وهو فرصة سنوية لا تقدر بثمن لفتح صفحة جديدة مع الله عز وجل، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه “من صام إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر” وإن من أنسب الأمور التى نستعد بها.

قبل رمضان هو التوبة، والإمام الغزالى رحمه الله يقول “التوبة علم، وحال، وعمل” فهى علم لأنك إن لم تعرف منهج الله التفصيلي لم تعرف ذنوبك، وبالتالى لا تتوب منها، وأنت لا تتوب من ذنب إلا إذا عرفت أنه ذنب، لذلك ما لى أرى الناس يغرقون في المعاصى ويقول ماذا نعمل، فما من إنسان إلا ويقول قائلهم أنا مستقيم، والحمد لله، وأنا أحب الله، وأنا أعمل للجنة، ولا ترى في عمله ما يؤكد ذلك، وهذا إما أنه يتجاهل، أو يجهل، وعلى كل إذا أحسنا الظن به يجهل، إذن لا بد من أن يكون لك عمل يحملك على التوبة، ثم إذا كان هناك علم لا بد من حال الندم، وعن أحمدعن ابن معقل، قال النبى صلى الله عليه وسلم ” الندم توبه” رواه ابن ماجه، أما الشيء الخطير في التوبة هو العمل، فهو الذى يتشعب إلى ثلاث شعب، إصلاح لما صدر منك سابقا، وإصلاح تابوا وأصلحوا، وإقلاع في الحاضر، وعزم في المستقبل ألا يعود المرء إلى هذا الذنب، فعلم وحال وعمل، لذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد والعقيم الوالد والظمآن الوارد “.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock