دين ودنيا

الدكرورى يكتب عن الجن

بقلم / محمـــد الدكــروري

إن العبد الكافر أو الفاسق إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول يا أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له، ولقد خلق الله سبحانه وتعالي الجن وأمرهم بعبادته كما قال عز وجل ” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”

وهم طوائف كما هو موجود في بني آدم سواء بسواء، ولقد بعث الله عز وجل إليهم رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لإن الجن على مذاهب شتى، فمنهم المسلم ومنهم المشرك، ومنهم النصراني ومنهم السني ومنهم البدعي، وكل نوع من الجن يميل إلى نظيره من الإنس، فالمسلمون مع المسلمين واليهود مع اليهود، والنصارى مع النصارى، والفساق مع الفساق، وأهل الجهل والبدع مع أهل الجهل والبدع، ووجود الجن ثابت بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتفاق سلف الأمة وأئمتها، ومما يدل على وجودهم ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنه رأى شيطانا” وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير بالليل فتعوّذوا بالله منهن، فإنهن يرين مالا ترون”

وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي التأذين أقبل فإذا ثوّب بالصلاة أدبر فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه فيقول اذكر كذا، اذكر كذا لِما لم يكن يذكر، حتى يضل الرجل لم يدري كم صلى” وأن الله تعالى كرم آدم عليه السلام وفي تكريمه تكريم لذريتة، فقال تعالى ” ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” ولم يثبت مثل هذا التكريم للجن لا في الكتاب ولا في السنة فتبين بذلك أن الإنسان أشرف من الجن ولكن الذي يجعل الجن يطغون ويتعاظمون ويؤذون هو استعاذة الإنسان بهم وتعظيمه لهم وإكبارهم فيزدادون طغيانا، فقال تعالى فى كتابه الكريم كما جاء في سورة الجن “وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا” أي طغيانا وعلى هذا فلا سلطان للجن أي الكفار منهم والشياطين.

ولا قوة لهم على الإنسان إلا إذا كان ضعيف الإيمان أو غافلا عن ربه وذكره سبحانه وبذلك يكون عرضه لعبث الشياطين به، وقال تعالى كما جاء في سورة النحل “إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون” والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم أكرمه الله تعالى بأن ختم الله به الرسالات وأتم به النبوات وأنزل عليه آخر الكتب السماوية الذي هو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والجن كما مرّ معنا أنهم مخلوقون من نار، ومع ذلك لما رزق بعضهم الإيمان رزق التأثر بالقرآن ولما ذهب نبينا صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام فرده أهلها فرجع حزينا مكلوما عليه الصلاة والسلام، ورجع من الطائف متجها إلى مكة حتى وصل إلى وادي نخلة فوقف عليه الصلاة والسلام يصلي يناجي ربه تبارك وتعالى ويدعوه ” اللهم أنت ربي ورب المستضعفين في الحديث المعروف “

فأخذ يصلي ويقرأ القرآن عليه الصلاة والسلام فاجتمعت الجن الطائفة التي كانت متوجهة إلى وادي نخلة تنظر لماذا أغلقت في وجهها أبواب السماء حيث قال الله تعالي “وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا” فوقفوا يستمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى تكالب بعضهم على بعض، ويقول الله تعالى مصورا لذلك المشهد العظيم “وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا” فالداعي هنا هو نبينا صلى الله عليه وسلم والذين كادوا يكونون عليه لبدا هم الجن، فاستمعوا للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن يشعر بوجودهم عليه الصلاة والسلام فلما انصرفوا أخبر الله تعالى نبيه بالذي كان، حيث قال الله تعالى “قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا، يهدي إلى الرشد فأمنا به ولن نشرك بربنا أحدا” ولهذا سميت السورة باسهم سورة الجن، ثم ذكر الله تعالى الأمر تفصيلا في سورة الأحقاف.

فقال جل شأنه “وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين، قالوا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم” وهذا فيه إشارة إلى أن أولئك الجن كانوا من اليهود، وأنهم قالوا “أنزل من بعد موسى” ولم يذكروا نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام وموسى إنما بعث لليهود، ولقد أضمر الشيطان وأظهر العداوة لبني آدم، بل لقد تعرضت الشياطين للأنبياء عليهم الصلاة والسلام تريد أن تؤذيهم وتفسد عبادتهم، فعن أبي الدرداء رضي الله عنهم أنه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فسمعناه يقول “أعوذ بالله منك” ثم قال “ألعنك بلعنة الله” ثلاثا، وبسط يده كأنه يتناول شيئا، فلما فرغ من صلاته قلنا يا رسول الله سمعناك تقول شيئا في الصلاة لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك قال.

“إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت أعوذ بالله منك ثلاث مرات، ثم قلت ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر، ثم أردت أن آخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة” ويقول الله تعالى في سورة الحجر “ولقد خلقنا الإنسان من حمئ مسنون، والجان خلقناه من قبل من نار السموم” فهذا نص قرآني يدل على أن الجن خلقت قبل الإنس، لكن هل عمروا الأرض أو لا ؟ وهذا سؤال عائم لا نستطيع أن نجيب عليه، لكن هناك شواهد وقرائن ليست منطوقة لكنها مفهومه في أن الجن عمروا الأرض، ومنها قول الله تعالى على لسان ملائكته لما أخبرهم سبحانه وتعالى أنه سيخلق بشرا قالوا “أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك” وقد كثرت أقوال علماء التفسير حول هذه الآية وقالوا أن ذلك القول من الملائكة ناجم عن أن الجن كانت تفسد في الأرض.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock