مقالات

الدكروري يكتب عن نعمة الأرض وتسخيره

الدكروري يكتب عن نعمة الأرض وتسخيرها

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن من الأيات التي ذكر الله سبحانه وتعالي بها عباده، ولفت أنظارهم إلى نعمة الأرض وتسخيرها لهم بإعدادها للزراعة قوله تعالى في سورة الملك ” وهو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور” فقال ابن كثير “يذكر الله نعمته على خلقه في تسخيره لهم الأرض وتذليلها لهم، بأن جعلها قارة ساكنة لاتميد ولاتضطرب بما جعل فيها من الجبال، أنبع فيها من العيون، وسلك فيها من السبل، وهيأ فيها من المنافع ومواضع الزروع والثمار، ولهذا يجب المشي والسفر في أقطارها، والتردد في ارجائها في انواع المكاسب والتجارات، بحثا وسعيا في طلب الرزق، إلا أن هذا البحث والسعي لاينفع إلا أن ييسره الله لكم، ولهذا قال تعالى “وكلوا من رزقه وإليه النشور” فالسعي واتخاد السبب لاينافي التوكل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

“لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا” رواه أحمد والترميذي وابن ماجة والنسائي عن عمر بن الخطاب، فأثبت لها رواحا وغدوا لطلب الرزق مع توكلها على الله عز وجل وهو المسخر المسير المسبب، وإلى الله النهاية المرجع يوم القيامة، أما القرطبي فقد قال في تفسير هذه الآية “هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا” أي سهلة تستقرون عليها، والذلول المنقاد الذي يذل لك، والمصدر هو الذل، وهو اللين والانقياد، أي لم يجعل الأرض بحيث يمتنع المشي فيها بالحزونة والغلظة، وقيل أي ثبتها بالجبال ليلا تزول بأهلها، وقيل أشار إلى التمكن من الزرع والغرس وشق العيون والأنهار وحفر الآبار، ونعمة تسخير الله الأرض للإنسان يجب أن يقابل بالشكر، وذلك بالمحافظة عليها، والمحافظة عليها تكون بعدم تلوثها وإتلاف منافعها.

حتى تظل كما أرادها الخالق صالحة للاستغلال والانتفاع، فقال تعالى في سورة الأعراف “ولاتفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، ولما كانت الزراعة عرضة للإصابة بالآفات، مما يجعل الناس يحجمون عنها إلى غيرها، كما يحدث في بعض المجتمعات الإسلامية الآن، وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يواسي من يصاب بذلك، ويحثه على البقاء في عمله، حتى لا تختل أوضاع المجتمع، فقال ” ما من شيئ يصيب زرع أحدكم من العوافي إلا كتب الله به أجرا” رواه الطبراني، ولقد فهم الصحابة والمسلمون الأوائل اهمية الزراعة وكانوا خير سلف فانطلقوا مطبقين لتعاليم الإسلام، التي تحث على الزراعة، رغم مشاغل بعضهم الجسيمة واستغنائهم، فهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول وقد سُئل أتغرس بعد الكبر؟ فقال لأن توافيني الساعة وأنا من المصلحين خير من أن توافيني وأنا من المفسدين.

وقيل لأبي الدرداء وهو يغرس جوزة أتغرس وأنت شيخ، ولا تطعم إلا بعد عشرين سنة؟ فقال لا عليّ بعد أن يكون الأجر لي، وهذا عبدالرحمن بن عوف رغم غناه كان يمسك المسحاة بيده، ويحول بها الماء، وطلحة بن عبيد الله كان أول من زرع القمح في مزرعته بالمدينة، وكان يزرع على عشرين ناضحا، وينتج ما يكفي أهله بالمدينة سنة كاملة، حتى استغنوا عما يستورد من بلاد الشام، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يرى المروءة في تلك الأفعال، فقد سئل مرة ما المروءة؟ فقال تقوى الله وإصلاح الضيعة، وازداد اهتمام المسلمين بالزراعة بعد أن اتسعت رقعة الدولة الإسلامية واستقرت أمورها، ويسروا كل السبل لامتلاك الأراضي وتعميرها وزرعها عملا بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم فقال “من أحيا أرضا ميتا فهي له” رواه أحمد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock