وقفة مع الإبتلاء والمواساة ” جزء 6 “

بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السادس مع الإبتلاء والمواساة، وقال تعالى عن حبيبه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم فى سورة التوبة ” وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين” وقال عز وجل فى سورة التوبة أيضا ” ومنهم الذين يؤذون النبى ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم” وهكذا فقد تنوع الابتلاء وتعددت المصائب في حياة من جعلهم الله تعالى المثل والقدوة لجميع الناس، وقال ابن القيم الطريق طريق تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورُمي في النار الخليل، وأضجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين.
ونشر بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضرّ أيوب، وعالج الفقر وأنواع الأذى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله “الدعاء سبب يدفع البلاء، فإذا كان أقوى منه دفعه، وإن كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه، لكن يخففه ويضعفه، ولهذا أمر عند الكسوف والآيات بالصلاة والدعاء الاستغفار والصدقة والعتق، والله أعلم” وكذلك عليك الرقية بالقرآن وبما ثبت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإكثار من فعل الطاعات كالصدقة وإعانة الفقراء والمساكين والوقوف مع المحتاجين وسائر أنواع الخير والقربات، ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله في الزاد “ومن أعظم علاجات المرض فعل الخير والإحسان.
والذكر والدعاء والتضرع إلى الله والتوبة، والتداوي بالقرآن الكريم، وتأثيره أعظم من الأدوية، لكن بحسب استعداد النفس وقبولها وعقيدتها في ذلك ونفعه ” واعلم أن الشفاء هو بيد الله جل وعلا وحده لا شريك له، لذا قال الخليل إبراهيم عليه السلام كما أخبر عنه العزيز العلام “وإذا مرضت فهو يشفين” ويقول الإمام ابن كثير رحمه الله أي إذا وقعت في مرض فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه” وعن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عاد مريضا يقول ” أذهب البأس رب الناس، اشفه أنت الشافى لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما” رواه البخاري ومسلم.
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله ” ففي هذه الرقية توسل إلى الله بكمال ربوبيته، وكمال رحمته بالشفاء، وأنه وحده الشافي، وأنه لا شفاء إلا شفاؤه، فتضمنت التوسل إليه بتوحيده وإحسانه وربوبيته ” وهذا لا يعني أنك لا تبذل الأسباب المشروعة للعلاج كزيارة الأطباء وتناول الأدوية فذلك مطلوب، ولا منافاة أبدا بين اتخاذ الأسباب مع الاعتقاد أنها ليست مؤثرة بذاتها، وبين الصبر والتوكل على العزيز الوهاب، ولكن احذر أشد الحذر من اللجوء إلى وسائل غير مشروعة في العلاج أو استعمال أدوية محرمة، لأن ذلك من الآثام و ليس من دين الإسلام، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداوو بحرام” رواه أبو داود.
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله “وها هنا سر لطيف في كون المحرمات لا يستشفى بها، فإن شرط الشفاء بالدواء تلقيه بالقبول واعتقاد منفعته وما جعل الله فيه من بركة الشفاء، فإن النافع هو المبارك، وأنفع الأشياء أبركها، والمبارك من الناس أينما كان هو الذي يُنتفع به حيث حل، ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين مما يحول بينه وبين اعتقاد بركتها ومنفعتها وبين حسن ظنه بها، وتلقي طبعه لها بالقبول، بل كلما كان العبد أعظم إيمانا كان أكره لها وأسوأ اعتقادا فيها، وطبعه أكره شيء لها، فإذا تناولها في هذه الحال كانت داء له لا دواء” وتذكر أن من رحمة الباري جل وعلا ولطفه بعباده المؤمنين أنه سبحانه يكتب لهم أثناء مرضهم أجر ما كانوا يعملون من الأعمال الصالحة في حال الصحة.