مقالات

وقفه مع الصدق مع الله ومع النفس ” الجزء الرابع”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع الصدق مع الله ومع النفس، وعن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد، مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، فوقف عليه ودعا له، ثم تلا هذه الآية من سورة الأحزاب ” من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ” ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة فأتوهم وزوروهم، والذى نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه” وقيل النحب الموت، أى مات على ما عاهد عليه، وعن ابن عباس رضى الله عنهما، والنحب أيضا الوقت والمدة يقال قضى فلان نحبه إذا مات، وقال ذو الرمة،عشية فر الحارثيون بعدما قضى نحبه في ملتقى الخيل هوبر، والنحب أيضا الحاجة والهمة، فيقول قائلهم ما لي عندهم نحب، وليس المراد بالآية والمعنى في هذا الموضع بالنحب النذر، أي منهم من بذل جهده على الوفاء بعهده حتى قتل، مثل حمزة وسعد بن معاذ.

وأنس بن النضر وغيرهم، ومنهم من ينتظر الشهادة وما بدلوا عهدهم ونذرهم، وقد روي عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قرأ ” فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومنهم من بدل تبديلا” وقال أبو بكر الأنبارى وهذا الحديث عند أهل العلم مردود، لخلافه الإجماع ، ولأن فيه طعنا على المؤمنين والرجال الذين مدحهم الله وشرفهم بالصدق والوفاء، فما يعرف فيهم مغير وما وجد من جماعتهم مبدل، رضي الله عنهم “ليجزي الله الصادقين بصدقهم” أى أمر الله بالجهاد ليجزى الصادقين في الآخرة بصدقهم، ويعذب المنافقين في الآخرة إن شاء أى إن شاء أن يعذبهم لم يوفقهم للتوبة، وإن لم يشأ أن يعذبهم تاب عليهم قبل الموت، أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما، ويقول الله تعالى فى سورة الأحزاب “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما”

والنحب هو النذر والعهد، فقد ذكر ابن كثير في التفسير سبب نزول هذه الآية، فذكر نزولها في أنس بن النضر، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما، وعن موسى بن طلحة، عن أبيه طلحة رضي الله عنه، قال لما أن رجع رسول الله صلى الله عليه من أحد، صعد المنبر، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، وعزى المسلمين بما أصابهم، وأخبرهم بما لهم فيه من الأجر والذخر، ثم قرأ هذه الآية من سورة الأحزاب “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزى الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما” فقام إليه رجل من المسلمين، فقال يا رسول الله، من هؤلاء؟ فأقبلت وعليّ ثوبان أخضران حضرميان، فقال أيها السائل، هذا منهم، وعن موسى بن طلحة، قال دخلت على معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه، فلما خرجت دعاني، فقال ألا أضع عندك يا ابن أخي، حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” طلحة ممن قضى نحبه” وإن من أنواع الصدق، وهو ذلك النوع العظيم المهم الذي لا نجاة للعبد إلا به، ألا وهو صدقه ابتداء في إيمانه بهذا الدين، وتلفظه بالكلمة العظيمة، كلمة التقوى شهادة أن لا إله إلا الله، وكذا تلفظه شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو القائل “ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار” فاشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم في إنجاء من قال هذه الكلمة من النار أن يقولها صدقا من قلبه، فلا ينفعه مجرد التلفظ بدون مواطأة القلب، وقال عز وجل في ذم من يقول هذه الكلمة دون مواطأة القلب كما جاء فى سورة البقرة ” ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ” فاحذروا من خداع أنفسكم، وتبرير التكاسل لها عن العبادة أو الطاعة.

وإن الصدق في الإيمان له مقومات ودلائل، أولها هو العمل الصالح، فإن الله عز وجل، جعل العمل الصالح أيضا بالإضافة إلى مواطأة القلب للسان، من مقومات صدق الإيمان التي لا يتم إلا بها، كما قال الله عز وجل فى كتابه الكريم فى سورة البقرة ” ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ” ومن دلائل صدق الإيمان هو التضحية بالنفس والمال في سبيل الله، واستفراغ الجهد وما في الوسع لنصرة دين الله عز وجل، ومن دلائل الصدق في الإيمان هو الثبات في الفتنة، وتحمل الأذى في سبيل الله عز وجل، في تواضع تام دون غرور، فالصادقون في إيمانهم لا يؤثرون عليه شيئا ولو كان ذلك الشيء هو الحياة نفسها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock