بقلم / محمـــد الدكـــروري
لو نظرنا إلى تاريخنا العريق لرأينا الكثير من الأبطال والمجاهدين الذين سقوا أرضهم بدمائهم، للدفاع عنها، وتحريرها من الاستعمار، فكل هذا نابع من حب الوطن والتضحية من أجله بالدماء والأرواح، فلا يمكن التهاون مع من يسرق الأوطان ويستعمرها، وليس علينا أن نخاف إذا قمنا بإنشاء جيل يضحي بكل ما يملك من أجل الوطن، فهو تاريخنا، وحاضرنا، ومستقبلنا الذي سيصنع أمجادنا، ويسطرها على مر الزمان تعبيرا عن حب الوطن، فإن حب الوطن، والالتصاق به، والإحساس بالانتماء إليه هو شعور فطري غريزي، يعم الكائنات الحية، ويستوي فيه الإنسان والحيوان، فكما أن الإنسان يحب وطنه، ويألف العيش فيه، ويحن إليه متى بعد عنه، ولأن حب الإنسان لوطنه فطرة مزروعة فيه، فإنه ليس من الضروري أن يكون الوطن جنة مفعمة بالجمال الطبيعي.
تتشابك فيها الأشجار، وتمتد على أرضها المساحات الخضراء، وتتفجر في جنباتها ينابيع الماء، لكي يحبه أبناؤه ويتشبثوا به، فقد يكون الوطن جافا، أرضه جرداء، ومناخه قاس، لكن الوطن رغم كل هذا، يظل في عيون أبنائه حبيبا، وعزيزا، وغاليا، مهما قسا ومهما ساء، ولكن هل الوطن يعرف حقيقة حب أبنائه له؟ ولكن هل الوطن يعرف حقا أنه حبيب، وعزيز، وغالى على أهله؟ فإن الحب لأي أحد أو أي شيء لا يكفي فيه أن يكون مكنونا داخل الصدر، ولابد من الإفصاح عنه، ليس بالعبارات وحدها وإنما بالفعل، وذلك كي يعرف المحبوب مكانته ومقدار الحب المكنون له، والوطن لا يختلف في هذا، فهو يحتاج إلى سلوك عملي من أبنائه، يبرهن به الأبناء على حبهم له، وتشبثهم به، وقد قال الشاعر في حب الوطن بدم الأحرار سأرويه.
وبماضي العزم سأبنيه وأشيده وطنا نضرا وأقدمه لابني حُرّا فيصون حماه ويفديه بعزيمة ليث هجّام، وإن هناك بعض المخلوقات إذا تم نقلها عن موطنها الأصلي فإنها تموت، فالكل يحب وطنه، فإتقوا الله وأحبوا وطنكم وساعدوا على تطوره علميا وماديا ومعنويا، وربوا أطفالكم على التربية الصالحة وعلى المساهمة في ازدهار المجتمع وتطوره، وعلموهم أن يحبوا وطنهم ويخلصوا له، ورسخوا فيهم تحمل المسؤولية في بناء وطنهم وحسن العطاء له، فأين هؤلاء الذين يدعون حب الوطن والوطنية ولا ترى في أعمالهم وسلوكياتهم وكلامهم غير الخيانة والعبث بمقدراته، والعمالة لأعدائه، وتأجيج الفتن والصراعات بين أبنائه، ونشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة أين الوفاء للأرض التي عاشوا فيها وأكلوا من خيراتها، وترعرعوا في رباها، واستظلوا تحت سماها.
وكانت أرض الإيمان والتوحيد والعقيدة الصافية، وإذا كان حب الوطن فطرة، فإن التعبير عنه اكتساب، وتعلم، ومهارة، فهل قدمنا لأطفالنا من المعارف ما ينمّي لديهم القدرة على الإفصاح عمليا عن حبهم لوطنهم؟ وهل علمناهم أن حب الوطن يقتضي ان يبادروا إلى تقديم مصلحته على مصالحهم الخاصة؟ فلا يترددوا في التبرع بشيء من مالهم من أجل مشروع يخدم مصلحته، أو أن يسهموا بشيء من وقتهم، او جهدهم، من أجل إنجاز مشروع ينتفع به، هل علمناهم أن حب الوطن يعني إجبار النفس على الالتزام بأنظمته، حتى وإن سنحت فرص للإفلات منها، والالتزام بالمحافظة على بيئته ومنشآته العامة، حتى وإن رافق ذلك مشقة؟ هل دربناهم على لأن يكونوا دائما على وفاق فيما بينهم، حتى وإن لم يعجبهم ذلك، من أجل حماية الوطن من أن يصيبه أذى الشقاق والفرقة؟ إنها تساؤلات إجابتها الصادقة هي معيار أمين.
زر الذهاب إلى الأعلى