وقفه مع الرأفة والرحمة وجبر الخواطر “الجزء السادس “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السادس مع الرأفة والرحمة وجبر الخواطر، فيقول الله سبحانه وتعالى “إنما المؤمنون أخوة” ولا شك أن الأخوة تتطلب التآخي والتعاون والتناصر، وأن يؤازر بعضهم بعضا، ويعطف بعضهم على بعض، ويرأف كل واحد منهم بالآخر، ومن مظاهر الرأفة وصورها هو الرأفة بالناس والشفقة بهم إذا ولاك الله عليهم أو جعلك فوقهم، فكثير من الناس ينسى نفسه في مثل هذه المواطن، فيتجبر ويتكبر، ويقسو على عباد الله ويعاملهم بالظلم والعدوان والقوة، وينسى اللين والرأفة والرحمة، وهذا يدخل فيه حتى من أعطاه الله شيئا من المهام اليسيرة التي يحتاج إليها الناس كالطبيب مثلا فإنه يجب عليه أن يتحلى بهذا الخلق العظيم وهو خلق الرأفة حتى يكسب قلوب المرضى.
لأنه إن كان قاسيا عديم الرأفة كرهه الناس وتبرم منه المرضى والمصابون، ولقد أوصانا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بالرأفة وحثنا على الرفق والرحمة، فقال عليه الصلاة والسلام لزوجته الطاهرة المطهرة أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها والخطاب لنا جميعا “يا عائشة ارفقى فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيرا دلهم على باب الرفق” رواه احمد، فإن بيوتنا اليوم بحاجة ماسة إلى هذا الخلق العظيم لأن كثيرا من المشاكل الأسرية والتسلط والعنف الذي يحدث في البيوت من أعظم أسبابه عدم الرأفة، وضعف العطف والحنان، فيتربى الصغير على الشدة والقسوة، وتشعر البنت بغياب العاطفة وضعف الرأفة، فتلجأ إلى من تشعر أنه رؤوف بها.
عطوف عليها كالأخدان والأصحاب ويرى الولد أن رفقاءه وجلساءه أرفق به وأحن عليه من أهله، ولهذا فإن الله تعالى قد جعل لكل فرد من أفراد العائلة مكانة وفضلا حتى يقضي على هذه المعضلة، فجعل للأفراد الكبار داخل الأسرة التعظيم والاحترام، وأمر الكبار بالرأفة والحنان والعطف على الصغار، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم “ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه” وقد أمرنا الله في مواطن كثيرة أن نقول بسم الله الرحمن الرحيم فلم الرحمن ولم الرحيم؟ فقال الخطابي أنه ذهب الجمهور إلى أن إسم الرحمن مأخوذ من الرحمة ومعناه ذو الرحمة لا نظير له فيها، ثم قال فالرحمن ذو الرحمة الشاملة للخلق، والرحيم خاص بالمؤمنين.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى أن الرحمة سبب واصل بين الله عز وجل وبين عباده، فإن بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها يسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم، فبينهم وبينه سبب العبودية، وبينه وبينهم سبب الرحمة، ولكي يصل العبد المؤمن إلى الدرجات العلى من الرحمة فلا بد من درجات من الإحسان، وقد قيل أن الرحمة المذكورة في الآية هي الجنة فما كنت محسنا إلا وقد اقتربت من الجنة فتجد ريحها في الدنيا ولذتها إيمانا يباشر قلبك وتجدها في الآخرة حق اليقين، ولا بد أن يكون في طريق الرحمة شيء من البذل ومن العطاء لأن الدين مراتب ولا يصعد فيه إلا من أعطى واتقىن وقال ابن القيم ومن رحمته سبحانه وتعالى.
هو ابتلاء الخلق بالأوامر والنواهي رحمة لهم وحمية لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به، ومن رحمته أن نغص عليهم الدنيا وكدرها لئلا يسكنوا إليها ولا يطمئنوا إليها ويرغبوا عن النعيم المقيم في داره وجواره، وقال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى، خلق الله النار رحمة يخوف بها عباده لينتهوا، والرحمة عماد الدعوة إلى الله وأعظم السبل لإيصال الخير للغير، فالدعوة لن ولا تنتشر بالقوة التي خلاف الرحمة والرأفة الحقيقية وهذا ليس إنكارا للجهاد فإنه من الرحمة لكثير من عباده إذ أن أعداء الله قد يقفون لصد الناس عن رحمة الله، وتفضل الله وقدم رحمته عند عصيان عباده على غضبه ليصنع لهم مطمعا في التوبة وحتى لا يصل بهم الأمر إلى القنوط فلا يتوبون.