بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن من آداب الإسلام في السلام هو أن يلقى السلام برفق ولين وخفض صوت على قوم فيهم نيام، بحيث لا يُقلقهم ولا يوقظهم، وفي هذا أدب نبوي رفيع، حيث يُراعى فيه حال النائم فلا يكدر عليه نومه، وفي الوقت نفسه لا تفوت فضيلة السلام، وعن المقداد رضي الله عنه قال “أقبلت أنا وصاحبان لي، وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس أحد منهم يقبلنا، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق بنا إلى أهله، فإذا ثلاثة أعنز، فقال النبي صلى الله عليه وسلم احتلبوا هذا اللبن بيننا، قال فكنا نحتلب فيشرب كل إنسان منا نصيبه، ونرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه، قال فيجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان”
وقال النووي هذا فيه آداب السلام على الأيقاظ في موضع فيه نيام، او من في معناهم، وأنه يكون سلاما متوسطا بين الرفع والمخافتة، بحيث يسمع الأيقاظ، ولا يهوش على غيرهم، وقال ابن حجر ويستثنى من رفع الصوت بالسلام ما إذا دخل على مكان فيه أيقاظ ونيام، فالسنة فيه ما ثبت في صحيح مسلم عن المقداد، وكما أن من الآداب للسام أيضا هو استحباب تكرار السلام ثلاثا، إذا كان الجمع كثيرا، أو شُك في سماع المُسّلم عليه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا، وإذا أتى قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثا” وقال النووي بعد هذا الحديث وهذا محمول على ما إذا كان الجمع كثيرا، وأضاف بن حجر وكذا لو سلم وظن أنه لم يسمع فتسن الإعادة.
فيعيد مرة ثانية وثالثة ولا يزيد على الثالثة، وقال الحافظ كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يسلم ثلاثا، ولعل هذا كان هديه في السلام على الجمع الكثير الذين لا يبلغهم سلام واحد أو هديه في إسماع السلام الثاني والثالث إن ظن أن الأول لم يحصل به الإسماع كما سلم لما انتهى إلى منزل سعد بن عبادة ثلاثا فلما لم يجبه أحد رجع، وإلا فلو كان هديه الدائم التسليم ثلاثا لكان اصحابه يسلمون عليه كذلك، وكان صلى الله عليه وسلم، يسلم على كل من لقيه ثلاثا وإذا دخل بيته ثلاثا ومن تأمل هديه علم أن الأمر ليس كذلك وأن تكرار السلام منه كان أمرا عارضا في بعض الاحيان، وكما أن من الآداب أيضا هو الجهر بإلقاء السلام وكذلك الرد، ولقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في السلام أن يرفع صوته بالسلام.
وكذلك في الرد، فلا يحصل بالإسرار الأجر إلا ما استثني، وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن ثابت بن عبيد رضي الله عنه قال اتيت مجلسا فيه عبدالله بن عمر رضي الله عنه فقال إذا سلمت فأسمع فإنها تحية مباركة طيبة” رواه البخارى، وذكر ابن القيم أن من هديه صلى الله عليه وسلم، انه كان يُسمع المسلم رده عليه، وقال ابن حجر واستدل بالأمر بإفشاء السلام على انه لا يكفي السلام سرا بل يشترط الجهر، وأقله أن يسمع في الابتداء والجواب ولا تكفي الإشارة باليد ونحوه، وقال النووي وأقل السلام الذي يصير به مسلما مؤديا سنة السلام أن يرفع صوته بحيث يُسمع المسلم عليه، فإن لم يسمعه لم يكن آتيا بالسلام، فلا يجب الرد عليه، وأقل ما يسقط به فرض رد السلام أن يرفع صوته بحيث يسمعه المسلم.
فإن لم يسمعه لم يسقط عنه فرض الرد، والأدب السادس تعميم السلام على من يعرفه المرء أو لا يعرفه، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال “أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف” وهذا الحديث فيه الحث على إفشاء السلام ونشره بين الناس، لما فيه من المصالح العظيمة، لعل من أعظمها التأليف بين المسلمين، وسلامة قلوبهم لبعض، وضده السلام على الخاصة فعل غير محمود، بل إنه أعنى سلام الخاصة من علامات الساعة، فقد جاء في مسند الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن من أشراط الساعة إذا كانت التحية على المعرفة” وفي رواية “أن يسلم الرجل على الرجل، لا يسلم عليه إلا للمعرفة” وفي رواية “إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة”
زر الذهاب إلى الأعلى