أدب وشعر

قصر الأزهار

 

بقلم /سلمى على فتحى

بإمكانكم القول أنني موظف شركة عادي.. أنا أعمل هنا منذ ثلاث سنوات.. ليس لدي ما أشكو بشأنه في حياتي.. لدي صديق يخبرني أنني ثرثار، لكن الأشخاص الذين أقابلهم يصفونني بأنني اجتماعي، لكنني أظن صديقي على حق فيما قاله… كما قلت أنا لا أواجه صعوبة في التعامل مع الأشخاص حولي.. التعامل مع أشخاص ألتقي بهم للمرة الأولى يمضي بسلاسة أيضا.. لكن هناك شخص لا أستطيع محادثته مهما حاولت.. ليس الأمر أنها تتجاهلني كما أنها لم ترفضني، لكنها هادئة جدا و قلما تحدث أحدهم.. لا إنها لا تحادث أحدا.. لقد سألتها ذات مرة إن كانت تريدني أن أحضر لها بعض القهوة بما أنني سأحضر للجميع على أي حال.. أظنها استغرقت دقيقة كاملة حتى أجابت بنعم في النهاية.. لم أسألها عن النوع الذي تريد فقد شعرت أن كلمة “نعم” كانت بمثابة صوت إطلاق المسدس بالنسبة للعداء.. فما إن قالتها حتى أسرعت بالذهاب إلى وجهتي!

أنا حقا أشعر بالفضول بشأنها؛ لذا فقد دعوتها لتناول الغداء ذلك اليوم.. لقد صمتت طويلا، لكنني لم أقاطع صمتها، بل انتظرت بهدوء حتى أجابت بنعم أخيرا… أخذت وقتا طويلا في التفكير لكني تفاجأت بها تطلب مثلجات الشوكولا.. حاولت إقناعها بطلب شيء آخر لكن عبثا ذهبت كلماتي.. في النهاية طلبت بعض القهوة أنا الآخر… كان الحديث معها غريبا بعض الشيء.. كانت تجيب السؤال بعد مضي فترة غير قليلة من الوقت.. أحيانا تبدو شاردة لكنني سعيد أنها كانت تستمع إلي جيدا.. حتى و إن بدت كأنها لا تفعل… لكن مع أنها كانت تجيبني.. إلا أنني شعرت أن كلا منا في عالم مختلف… تكررت دعواتي و كثرت أحاديثنا و لكن أسلوب حديثها لم يتغير.. ما زالت محادثتها تشعرني ببعد عالمينا، لكنني أحببت هذه المحادثة خاصة من بين أحاديثنا…
-هل تمانعين إن تحدثنا عنك قليلا؟
-…لماذا؟
-لنقل أنني أشعر بالفضول بشأنك.. لكن إن كان هذا غير مريح لك فلنختر موضوعا آخر
-…لا بأس
-من الآن فصاعدا سأصغي إليك فقط.. إن كان هناك شيء تريدين مشاركته سأكون سعيدا بسماعه
-….أي شيء؟
-صحيح
-..ألن تشعر بالملل؟
-لمَ؟..نادرا ما تجيبينني بأكثر من ثلاث كلمات؛ لذا أظنني سأكون سعيدا بالاستماع لهذا اليوم
-…أتعلم؟… لقد بنى والداي لي قصرا.. إنني أعيش هناك.. إنه قصر مصنوع من الأزهار الناعمة، و لكن الأشواك تغطيه بأكمله من الخارج… لا يستطيع أحد الاقتراب من هذا القصر، و لم أحاول الخروج منه.. ليس لدي إخوة، لكنني لم أشعر قط بالوحدة هناك.. إنه قصر لطيف و فيه نافذة عالية تستطيع أن ترى من خالها الكثير من الأشياء المسلية و الرائعة… كما أن الأزهار ذات رائحة عطرة و ألوان زاهية… لا أظنني رغبت يوما في الخروج… أحببت اللعب مع الفراشات هناك و سماع حكايا الطيور التي تزور النافذة….
-ألا زلت تحتفظين به؟
-بالطبع…. لكن كثيرا من الأزهار قد ذبلت.. و القصر يوشك أن يسقط؛ لذا أنا أبحث عمن يصلحه… هل تستطيع إصلاحه؟
-لا أظنني بستانيا ببراعة والدك… لم لا تسكنين غيره؟.. فبيت من الأزهار سيتلفه المطر
-…إذا.. مما صُنع قصرك؟
-لا أظنني أذكر أمرا بعيدا كهذا
-…هذا يعني أن علي انتظار أحد آخر يستطيع إصلاح قصري
-قد لا تجدين شخصا كهذا أبدا.. عندها سيذبل قصرك و يصبح ذكرى بعيدة قبل أن تعلمي
-….لا بأس فأنا لا أزال أذكر، و رائحة الزهور لم تبعد، و الطير ما زال يغرد في شرفة نافذتي العالية
-أتقولين أنه لا جدوى من محاولتي؟.. ألا تقبلين موعدي؟
-…و إلى متى يثبت قلبك على هذا الموعد؟
-حتى أتذكر كيف أصلح قصرك، أو أن تزورني زنابق العنكبوت أولا…
-…إذا،سأنتظر موعدك… لكن حذاري أن تخون فالزنابق تشهد وعدك لكن ألا تخشين من ماض ماتت ذكرياته أن يعرقل حاضرا حيا، أو أن تحجب أعين البرعم ما للزهرة أن يراه عقلها؟
-…لست أترك عيني البرعم و إن كانت قصيرة المدى، فعقل الزهرة يخشى أن يرى القلب ما لا يحب، و ما حاجة الزهور لقلوب سوداء قتلها الحزن و سممها الزمن؟
لم أعارض ما قالته و لم أوافق قولها.. لكنني بانتظار موعدنا أن يحمله إلينا الزمن… حتى ذلك الحين سيشغلني عطرها، لكنني بصبر سأنتظر أن أروي قصر أزهارها يوم يُقبل إخلاص قلبي و يُقبل عشقه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock