دين ودنيا

وقفه مع إنما هذه الحياة الدنيا متاع ” الجزء الثالث “

إعداد / محمـــد الدكـــــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع إنما هذه الحياة الدنيا متاع، فالمال والبنون زينة الحياة، والإسلام لا ينهى عن المتاع بالزينة في حدود الطيبات، ولكنه يعطيهما القيمة التي تستحقها الزينة في ميزان الخلود ولا يزيد، وإنهما زينة ولكنهما ليستا قيمة، فما يجوز أن يوزن بهما الناس ولا أن يقَدّروا على أساسهما في الحياة، إنما القيمة الحقيقية للباقيات الصالحات من الأعمال والأقوال والعبادات، وإن الأموال والأولاد استدراج وإملاء للكافرين ليزدادوا إثما، فقال الله سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز فى سورة المؤمنون ” أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين، نسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون ” فهؤلاء القوم مكر الله سبحانه وتعالى، بهم في أموالهم وأولادهم.

لذا فلا يعتبر الناس بالأموال والأولاد، وإنما اعتبارهم بالإيمان والعمل الصالح، وذلك لأنهم استخدموا أموالهم وأولادهم لأجل الطغيان والاستكبار عن الحق، كما قال الله تعالى فى سورة القلم ” أن كان ذا مال وبنين ” وأغروا بهما الناس وصدوهم عن سبيل الله، كما قال الله سبحانه وتعالى عن قوم نوح فى سورة نوح ” واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا” وقد ذكر الله سبحانه وتعالى، عن قوم نوح أنهم كانوا أهل أموال وأولاد، لكن هذه الأموال وهؤلاء الأولاد زادوهم خسارا، والسبب أنهم لم يسخروهما فيما أمر الله، فأنفقوا الأموال لتعبيد الناس لهم، واستخدموا الأولاد لإرهاب الناس بهم، فصارت الأموال والأولاد وبالا عليهم.

إذ لو لم تكن لهم أموال ولا أولاد لكانوا أقل ارتكابا للفساد، وإن الأموال والأولاد هو اختبار وامتحان في الدنيا، فقد قال الله سبحانه وتعالى فى كتابة الكريم فى سورة الأنفال ” اعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم ” فهذا تنبيه على الحذر من الخيانة التي يحمل عليها المرء حب المال، وهي خيانة الغلول وغيرها، فتقديم الأموال لأنها مظنة الحمل على الخيانة في هذا المقام، وعطف الأولاد على الأموال لاستيفاء أقوى دواعي الخيانة فإن غرض معظم الناس في جمع الأموال أن يتركوها لأبنائهم من بعدهم، وقد جعل نفس الأموال والأولاد فتنة لكثرة حدوث فتنة المرء من جراء أحوالهما، مبالغة في التحذير من تلك الأحوال وما ينشأ عنها.

فكأن وجود الأموال والأولاد نفس الفتنة، وعطف قوله سبحانه وتعالى ” وأن الله عنده أجر عظيم ” على قوله تعالى ” أنما أموالكم وأولادكم فتنة ” للإشارة إلى أن ما عند الله من الأجر على كف النفس عن المنهيات هو خير من المنافع الحاصلة عن اقتحام المناهي لأجل الأموال والأولاد، ونعوذ بالله من الفتن، ولكن يجب علينا أن نعلم أن الفتنة ليست مذمومة في ذاتها، لأن معناها اختبار وامتحان، وقد يمر الإنسان بالفتنة وينجح، كأن يكون عنده الأموال والأولاد، وهم فتنة بالفعل فلا يغره المال، بل إنه استعمله في الخير، والأولاد لم يصيبوه بالغرور بل علمهم حمل منهج الله، وجعلهم ينشؤون على النماذج السلوكية في الدين.

لذلك فساعة يسمع الإنسان أي أمر فيه فتنة فلا يظن أنها أمر سيئ، بل عليه أن يتذكر أن الفتنة هي اختبار وابتلاء وامتحان، وعلى الإنسان أن ينجح مع هذه الفتنة، فالفتنة إنما تضر من يخفق ويضعف عند مواجهتها، ومن يغتر بالمال أو الأولاد في الحياة يأتي يوم القيامة، ويجد أمواله وأولاده حسرة عليه، لماذا؟ لأنه كلما تذكر أن المال والأولاد أبعداه عما يؤهله لهذا الموقف فهو يعاني من الأسى ويقع في الحسرة، فنجد أن حب الولد قد يحمل الوالدين على اقتراف الذنوب والآثام في سبيل تربيتهم والإنفاق عليهم وتأثيل الثروة لهم، وكل ذلك قد يؤدي إلى الجبن عند الحاجة إلى الدفاع عن الحق أو الأمة أو الدين، وإلى البخل بالزكاة والنفقات المفروضة والحقوق الثابتة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock