مقالات

الدكروري يكتب عن الكمال المحمدي

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الكمال التام لله عز وجل فسبحانه وتعالي المنعم علي عباده، والمتفضل عليهم بجوده وكرمه، وهذا هو النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم فهو من خير أسرة في أنبل قبيلة لأكرم شعب وأزكى جنس، ولا غرو فهو خيار من خيار من خيار، وهو من حيث الجمال الخَلقي في أسمى معانيه وأعلى رتبة، قوي البنية تام الخلقة أجمل الناس طلعة وأوفرهم هيبة، وأوضاهم وجها، وأعذبهم ابتسامة وأحلاهم منطقا، إذا تبسم كأنما يفتر عن حَب الغمام وإذا ضحك رؤي النور يخرج من بين ثناياه، وإذا نظرت إلى أسرّة وجهه برقت كبرق العارض المتهلل، وإن ذلك لمعنى عرضي من معاني الكمال الذاتي الذي أودعه الله تعالي نفس نبيه محمد صلي الله عليه وسلم، ولع الناس بالتمدح به والإغراق في ذكره وهم لو التفتوا إلى سواه من معاني الكمال المحمدي لوجدوا في ذلك البحر الذي لا ينضب معينه.

والمصباح الذي لا يخبو نوره، وهو من حيث الكمال الخُلقي بالذروة التي لا تنال والسمو الذي لا يُسامى، أوفر الناس عقلا، وأسدّهم رأيا، وأصحهم فكرة، وحسبك أنه ساس هذه القبائل الجافية والنفوس القوية العاتية ولم يستخدم في ذلك الإغراء بالمال ولا الإرهاب بالقوة فلقد كان في قلّ من الثروة وضعف من العدد والعُدة ولكنه العزم الماضي والرأي الثاقب والتأييد الإلهي والكمال المحمدي، أسخى القوم يدا، وأنداهم راحة، وأجودهم نفسا، أجود بالخير من الريح المرسلة، يعطي عطاء من لا يخشي الفقر، يبيت على الطوى وقد وهب المئين وجاد بالآلاف، لا يحبس شيئا، وينادي صاحبه “أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا” أرحب الناس صدرا وأوسعهم حلما، يحلم على من جهل عليه، ولا يزيده جهل الجاهلين إلا أخذا بالعفو وأمرا بالمعروف. 

تواتيه المقدرة ويمسك بغرة النصر فلا يلقى منه خصمه إلا نبلا وكرما وسماحة وشمما، ينادي أسراه في كرم وإباء “اذهبوا فأنتم الطلقاء” أعفّ الناس لسانا، وأوضحهم بيانا، يسوق الألفاظ مفصلة كالدر، مشرقة كالنور، طاهر كالفضيلة في أسمى مراتب العفة وصدق اللهجة، يقول صلي الله عليه وسلم لأصحابه ما معناه “لم أبعث فاحشا ولا متفحشا ولا لعّانا ولا صخابا بالأسواق إنما بعثت هاديا ورحمة” أعدلهم صلي الله عليه وسلم في الحكومة وأعظمهم إنصافًا في الخصومة، يقيد من نفسه ويقتص لخصمه، يقيم الحدود على أقرب الناس إليه، ويقسم بالذي نفسه بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها، أسمى الخليقة روحا، وأعلاها نفسا، وأزكاها وأعرفها لله وأشدها صلابة وقياما بحقه وأقومها بفروض العبادة ولوازم الطاعة مع تناسق غريبز 

في أداء الواجبات واستيعاب عجيب لقضاء الحقوق، يؤتي كل ذي حق حقه، فلربّه حقه ولصاحبه حقه ولزوجه حقها ولدعوته حقها، ولكل واجب من واجبات الإنسانية ما يتطلبه من أداء وإتقان، أزهد الناس في المادة، وأبعدهم عن التعلق بعرض هذه الدنيا، يطعم ما يقدم إليه ولا يعيب طعاما قط، وإذا لم يجد ما يأكل قال إني صائم، وينام على الحصير والأدم المحشو بالليف، ويقول في المنعمين المترفين صلي الله عليه وسلم “إن لهم الدنيا ولنا الآخرة” ولقد كان النبي صلي الله عليه وسلم أكرم الناس وأحود الناس، ومن كرمه أنه جاءه رجل يطلب البردة التي هي عليه فأعطاه إياها، وكان لا يرد طالب حاجة، قد وسع الناس برّه، طعامه مبذول، وكفه مدرار، وصدره واسع، وخلقه سهل، ووجه بسّام، وجاءته الكنوز من الذهب والفضة وأنفقها في مجلس واحد. 

ولم يدخر منها درهما ولا دينارا ولا قطعة، فكان أسعد بالعطية يعطيها من السائل، وكان يأمر بالإنفاق والكرم والبذل، ويدعو للجود والسخاء، ويذمّ البخل والإمساك، بل كان ينفق مع العدم ويعطي مع الفقر، يجمع الغنائم ويوزعها في ساعة، ولا يأخذ منها شيئا، مائدته معروضة لكل قادم، وبيته قبلة لكل وافد، يضيف وينفق ويعطي الجائع بأكله، ويؤثر المحتاج بذات يده، ويصل القريب بما يملك، ويواسي المحتاج بما عنده، ويقدم الغريب على نفسه، فكان آية في الجود والكرم. 

ويجود جود من هانت عليه نفسه وماله وكل ما يملك في سبيل ربه ومولاه، فهو أندى العالمين كفا، وأسخاهم يدا، غمر أصحابه وأحبابه وأتباعه، بل حتى أعداءه ببره وإحسانه وجوده وكرمه وتفضله، أكل اليهود على مائدته، وجلس الأعراب على طعامه، وحف المنافقون بسفرته، ولم يُحفظ عنه أنه تبرّم بضيف أو تضجر من سائل أو تضايق من طالب، بل جرَّ أعرابي برده حتى أثر في عنقه وقال له أعطني من مال الله الذي عندك، لا من مال أبيك وأمك، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم، وضحك وأعطاه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock