الدكروري يتكلم عن المسلم الحقيقي بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن المسلم الحقيقي هو من سلم الناس من لسانه وأذاه، وأن الأمم لا تبنى باليأس، ولا تتقدم بالتشاؤم، ولا تنافس غيرها، ببث الخوف والرعب بين المنسوبين أو الزائرين للمجتمع، وأيضا بناء منظومة القيم والأخلاق، وإنه لا شك أن للقيم أهمية في بناء المجتمعات والأمم، وأي أمة تتنازل عن قيمها وأخلاقياتها لا تستمر ولا تدوم، وإذا دامت فترة لا يكتب لها الخلود، ويعيش النبي الكريم صلي الله عليه وسلم في الفقر صبورا متماسكا محتسبا, وقد عاش فترة من حياته فقيرا, لا يجد كسرة الخبز من البر, يبحث عن التمر فلا يجد التمر, يأتيه الملك من السماء بمفاتيح كنوز الدنيا فيقول “أتريد أن أحول لك الجبال ذهبا وفضة؟ قال لا، بل أجوع يوما وأشبع يوما حتى ألقى الله” وهو صلي الله عليه وسلم يعيش فقيرا.
لا يجد فراشا حتى يثنيه ثنيتين، ثنية واحدة, ينام على الخصف فيؤثر في جنبه, ويدخل عليه صلي الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيجد سعف النخل قد أثر في جنبه صلي الله عليه وسلم، فيبكي عمر بن الخطاب، وتسيل دموعه ويهتز، فيقول له صلي الله عليه وسلم “ما لك يا عمر؟ قال يا رسول الله كسرى وقيصر ملوك فارس والروم وهم أعداء الله، يعيشون في ذهب وفضة وحرير وديباج وأنت حبيب الله تعيش في هذه الحالة؟ فيقول صلي الله عليه وسلم يابن الخطاب أفي شك أنت؟ أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال بلى” وعن أنس رضي الله عنه قال “كان النبي صلى الله عليه وسلم من احسن الناس خلقا، فأرسلني يوما لحاجة، فقلت له والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب.
لما أمرني به صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال يا أنس أذهبت حيث أمرتك؟ قلت نعم، أنا أذهب يا رسول الله فذهبت” رواه مسلم وأبو داود، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي ، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مه مه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تزرموه، دعوه” فتركوه حتى بال ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له “إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن” قال فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه” رواه مسلم.
وكان صلي الله عليه وسلم فيه من الرقة والرحمة، فقيل أنه كان يري العجوز المسن فتدمع عيناه صلي الله عليه وسلم ويرى الشيخ الكبير، فيحترمه ويوقره ويقف معه, ويرى الطفل فيحمله ويضمه ويشمه ويقبله ويمازحه ويمسح رأسه صلي الله عليه وسلم، فتوقفه امرأة عجوز في طريق من طرق المدينة في حرارة الشمس فيقف معها ساعة كاملة, يقف معها حتى تنتهي وهو إمام العالمين، وهو صلي الله عليه وسلم الإنسان الذي أتى إلى الأمة الضعيفة المسلوبة المنهوبة المظلومة, فرفع رأسها بين الرءوس, وبنى منبرها بين المنابر, بل أعلى منارتها على كل المنارات، فقد كانوا في ضلال ما بعده ضلال, أتى إليها صلي الله عليه وسلم إلى هذه الأمة وهي ترعى إبلها وبقرها وغنمها.
في الصحراء القاحلة, صحراء الجوع والظمأ واليأس, فأخرجها بلا إله إلا الله إلى الدنيا وأسمعها بلا إله إلا الله مشارق الدنيا، فقد أخرج النبي صلي الله عليه وسلم هذه الأمة بلا إله إلا الله من النهب والسلب والتشريد والفتك, إلى الإخاء والحب والوئام والصفاء، فكانت هذه الأمة تأكل الميتة, وتعاقر الخمر, وتعبد الصنم, وتطوف بالأوثان، فجعلها صلي الله عليه وسلم بلا إله إلا الله أمة تخطب في الحرمين, والأزهر الشريف، وكان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يجيب دعوتهم دعوة الحر والعبد والغني والفقير ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر.