مقالات

سوخوي 35 قبلة الحياة

بقلم د/ شيرين العدوي

أرجوك يا أبي أينوفا .. افتح لي الباب . -آه يا ابنتي غِريبا..دعي أساورك ترجّ. -أخشى من وحش الغابة يا أبي إينوفا. -آه يا ابنتى غِريبا .. وأنا أيضا أخشاه. – الشيخ متلفع في برنسه منعزل يتدفأ..وابنه المهموم بلقمة العيش يعيد في ذاكرته صباحات الأمس. والعجوز ناسجة خلف مندالها دون توقف.. تحيك الخيطان. والأطفال حولها يتلفتون.. ذكريات أيام زمان . العجوز ناسجة خلف مندالها دون توقف.. تحيك الخيطان. والأطفال حولها يتلفتون .. ذكريات أيام زمان يا لالا ..يا لالا الأطفال يتلفتون .. ذكريات أيام زمان. الثلج رابض خلف الباب والإيحلولين يسخن في القدر. والأعيان تحلم منذ الآن بالربيع المقبل والقمر.. والنجوم .. مازالوا مختفين. حطبة البلوط تحل محل حصيرة الصفصاف. العائلة مجتمعة تستمع لحكايا زمان. يا لالا يا لالا. العائلة مجتمعة . تستمع بشغف لحكايا زمان . أرجوك يا أبي أينوفا .. افتح لي الباب. -آه يا ابنتى غِريبا .. دعي أساورك ترجّ. أخشى وحش الغابة يا أبي إينوفا . -آه يا ابنتي غِريبا .. وأنا أيضا أخشاه.” إن هذه الكلمات أغنية مترجمة من اللغة الأمازيغية وهي لغة قبائل البربر الذين يسكنون الغرب الليبي وقد عشت بينهم لمدة عام كامل من قبل. من يتأمل كلمات الأغنية ويحللها يفهم الفكر الجميل الذي يجمع الشعب الطيب غير المتعصب إلا لرضا الله والعيش دون مشاكل، بل والخوف من وحش مجهول يأتي من الصحراء ويهدد الابنة، والابنة رمز للعرض والحرمة، والأب يدعو الابنة إلى الأخذ بالأسباب؛ فلكي يفتح لها الباب عليها أن ترجه بيدها، بل ويبادلها نفس الخوف الذي يتملك قلبها؛ لأنه أب مسالم لا يريد الدخول في مواجهة شرسة لوحش مجهول.
إن تلك الأغنية تفسر ما يحدث على أرض ليبيا. لسنوات عديدة تعاني ليبيا من وحش كاسر هو التفتيت العسكري وزاد الأمر سوءا دعم تركيا وقطر وإيطاليا وبريطانيا لحكومة السراج وباتت الولايات المتحدة وروسيا ورقتين داعمتين غير ظاهرتين لتلك الحكومة في الغرب، وقد أحرز السراج وجيشه تقدما نحو الشرق وسيطر على طرابلس وهاجم قوات حفتر -التي قضت إلى حد ما على المليشيات الدواعشية – فباتت داعش تحلم بالعودة والسيطرة مرة أخرى، وحارب السراج وقواته وحلفاؤه بشراسة ليس من أجل الليبين الطيبين ولكن من أجل الاستيلاء على النفط الذي تمتلك ليبيا منه أضخم احتياطي خام في إفريقيا.
لقد بات الصراع واضحا ليس من أجل ليبيا فقط ولكن من أجل السيطرة على غرب الدول الإسلامية فليبيا البوابة الرئيسية للجزائر وتونس والمغرب وكذلك للشوكة التي تقلق الغرب: مصر . إن الشمال الإفريقي ليس بمعزل عن هذا الاحتلال المقنع بهدف حماية الدول من الصراعات التي أججها الغرب. لقد عاد الأمل مرة أخرى للإسلام السياسي بتقدم السراج. وكان قرارا حكيما من مصر بضرورة المناداة بوقف إطلاق النار والجلوس على مائدة المفاوضات. وإن كانت روسيا قد دعمت مصر بقبلة الحياة الطائرة سوخوي 35 فقد دعمت السراج بطائرات أخري حديثة وكذلك دعمته تركيا بطائرات التجسس بدون طيار”اف 16″. هذا يحدث بالتزامن مع المفاوضات الدائرة بشأن سد النهضة الورقة الأخرى التي يضغط بها على مصر من جهة الجنوب. لقد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مصر في وقت غاية في الصعوبة وقد مرت سبع سنوات من الصراعات الداخلية والخارجية من أجل اسقاط مصر وإفشال كل تقدم تسير فيه. لكن الأمل أكبر في الله بالثقة بأنفسنا والوقوف مع القيادة. ولكني أخشي وحش الغابة يا أبي كما خشيته غِريبا في الأغنية التي بدأت بها، وقد دققت الباب وأخذت بالأسباب لكنني مازلت أخشاه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock