مقالات

روسيا وأوكرانيا … التاريخ يعيد نفسه

لواء دكتور/ سمير فرج

متابعة عادل شلبى

نشأنا على مقولة أن التاريخ يعيد نفسه، لذلك ندرس التاريخ، لنستفيد من دروسه، ونعتبر من أخطاؤه، خاصة ونحن نشهد تكرار الأحداث والمواقف. وأحمد الله إنني ممن أصقلوا معلوماتهم التاريخية، بحصولي على ليسانس الآداب، من قسم التاريخ، بجامعة عين شمس، التي انتسبت إليها، وأنا ضابط بالقوات المسلحة.

ففي عام 1962، قامت ثورة بدولة كوبا، وهي الجزيرة الملاصقة للولايات المتحدة الأمريكية، ضد حاكم اسمه باتيستا، ونتج عنها قيام الحكم الشيوعي، برئاسة الزعيم كاسترو، ومعه جيفارا، وتماشياً مع أحداث تلك الحقبة التاريخية، وقعت كوبا، برئاسة كاسترو، اتفاقية تعاون مع الاتحاد السوفيتي، رمز الشيوعية في ذلك الوقت. ففوجئت الولايات المتحدة، برئاسة جون كينيدي، حينها، بوجود صواريخ نووية، سوفيتية، على الأراضي الكوبية، الملاصقة لحدودها، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة، تهديداً مباشراً لأمنها القومي؛ فوجود صواريخ نووية لدولة أجنبية على أرض ملاصقة، أو قريبة، يعتبر تهديداً لأمن دول الجوار، وفقاً لمفاهيم الأمن القومي وقواعد العلوم العسكرية.

وأمام ذلك التهديد، الصريح، أصدر كينيدي أوامره بالاستعداد لإطلاق الصواريخ النووية الأمريكية، تجاه كوبا، ومحوها من الوجود، تماماً. استمرت تلك الأزمة لمدة 14 يوماً، وانتهت بسحب الاتحاد السوفيتي لصواريخه النووية من كوبا، مع قيام الولايات المتحدة بسحب بطارية صواريخ نووية لها من الأراضي الحدودية. وعرفت هذه الأزمة باسم “أزمة الصواريخ الكوبية”، وكانت سبباً في ظهور علم إدارة الأزمات، الذي صار مادة أساسية في كل معاهد وكليات العلوم الاستراتيجية والأمن القومي في العالم.

واليوم، وبعد ستون عاماً، يتكرر نفس المشهد، على المسرح الأوروبي، مع تبديل الأدوار؛ فها هي روسيا، رمز بقايا الاتحاد السوفيتي المنهار في عام 1991، تجد دولة جوار، مستقلة، كانت يوماً ضمن اتحادها السوفيتي، وهي أوكرانيا، تطالب بالانضمام لحلف الناتو، بما سيسمح لوجود قواته الأمريكية أو البريطانية أو الفرنسية، على أرضها. فتكرر المشهد، الذي دار منذ ستين عاماً، ولكن في هذه المرة أصبحت روسيا هي من ترفض وجود قوات أجنبية على أراضي دولة مجاورة، وطلبت من الولايات المتحدة ودول حلف الناتو، التعهد، كتابياً، بعدم ضم أوكرانيا لحلف الناتو.

وأمام ما واجهته روسيا من رفض الولايات المتحدة، ودول حلف الناتو، لطلبها، ما كان منها إلا أن بدأت في حشد قواتها العسكرية على حدود أوكرانيا. وبدراسة هذه الحشود وحجمها ونوعيتها وأسلوب تمركزها، يتضح أنها تجميع قتالي، يهدف للقيام بعمليات هجومية، لاختراق أوكرانيا. وبالطبع، أعلنت الولايات المتحدة، ودول حلف الناتو، عدم تدخلهم في العمليات العسكرية، حال نفذتها روسيا، ولكن هددوا بفرض عقوبات اقتصادية رادعة على روسيا في حالة غزوها لأوكرانيا عسكرياً.

ومما لا شك فيه، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد اجتمع بمجلس دفاعه، في موسكو، لدراسة كافة الجوانب المتعلقة بالموقف، ويبدوا أن مستشاريه الاقتصاديين، أكدوا له قدرة الاقتصاد الروسي على تحمل العقوبات المنتظرة عليه من الولايات المتحدة، والدول الأوروبية، ولا شك أن مستشاريه العسكريين شددوا على قوة روسيا العسكرية في مهاجمة أوكرانيا والانتصار عليها. وهنا اتخذ بوتين قراره بمهاجمة أوكرانيا، وفرض إرادته عليها، إما بإجبار حكومتها الحالية، على توقيع تعهد بعدم الانضمام لحلف الناتو، وعدم السماح لأي قوات عسكرية أجنبية بالتواجد على أراضيها، وإما تغيير الإدارة الأوكرانية الحالية، واستبدالها بحكومة عسكرية تابعة، تدين بالولاء لروسيا، مثلما كان الحال قبل الانتخابات الأوكرانية الأخيرة في 2019.

وانطلاقاً من هدفها في الوصول لأحد تلك البدائل، شنت روسيا الهجوم على أوكرانيا، في عمليات تعرف في مفاهيم العلم العسكري باسم “حرب تقليدية محدودة”، ويرجع تعريفها “بالتقليدية”، لأنها ليست حرب نووية، في ظل عدم امتلاك أوكرانيا للسلاح النووي، أما مصطلح “محدودة” فيرجع لأنها بين دولتين، فقط، هما روسيا وأوكرانيا، بعدما أعلنت الولايات المتحدة وحلف الناتو، عدم اشتراكهما في هذه الحرب. وبدأت العمليات العسكرية بقيام روسيا بتنفيذ ضربة صاروخية ضد البنية التحتية العسكرية الأوكرانية بالصواريخ البلاسيتية عالية الدقة وصواريخ الكروز، بالتزامن مع ضربة سيبرانية إلكترونية.

وجاءت الضربة الصاروخية، بديلاً لما كان يتم من قبل، في مختلف الحروب التقليدية، من توجيه ضربة جوية، وأظن أن ذلك الفكر الروسي، الجديد، سوف يُعتمد كمنهج في الحروب المستقبلية، نظراً لارتفاع تكلفة الضربات الجوية، إذ يصل ثمن الطائرات الحديثة مثل F16 وسوخوي، إلى 100 مليون دولار، مقارنة بالصاروخ، الذي لا يزيد عن بضعة آلاف من الدولارات، وينفذ نفس المهمة. وانطلقت الضربة الصاروخية، ومعها الهجمة السيبرانية، ضد قواعد الصواريخ الأوكرانية والرادارات ومراكز القيادة والسيطرة ومخازن الصواريخ والمصانع الحربية والتجميعات القتالية والقواعد الجوية والمطارات الحربية الأوكرانية، وتمكنت هذه الضربات الروسية القوية من تدمير حوالي 70% من البنية الأساسية العسكرية الأوكرانية، خلال 5 ساعات.

وتنفيذاً لتهديداتها، فرضت الولايات المتحدة، ودول حلف الناتو، حزمة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وهو ما سيتخطى أثره روسيا، ليمتد لباقي دول العالم، بدرجات متفاوتة؛ فمبدئياً ارتفعت أسعار الذهب والبترول والغاز الطبيعي لمستويات غير مسبوقة، كما ارتفعت أسعار الحبوب من القمح والذرة. وهكذا بدأت المعركة الحربية … وبدأ العالم يعاني من النتائج الاقتصادية، تطبيقاً لنظرية الأواني المستطرقة، التي كتبت عنها، مؤخراً، في مقال سابق في نفس هذا المكان … فما يحدث في أي مكان في العالم، يؤثر على باقي دوله، ليتشكل العالم الجديد في الفترة القادمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock