مقالات

الدكروري يكتب عن القلوب تمرض كالأبدان

الدكروري يكتب عن القلوب تمرض كالأبدان
بقلم / محمـــد الدكـــروري

إننا إذا أمسكنا بكتاب الله عز وجل، نجد أن أغلب الآيات تدعونا إلى جبر الخواطر، وإذا نظرنا نجد أنه حينما غرق ابن نبى الله نوح عليه السلام، جبر الله تعالى بخاطره، بقوله تعالى “فحال بينهما الموج فكان من المغرقين” فجبر الله خاطر نبى الله نوح عليه السلام، وجبر الله خاطر رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بقوله تعالى ” فلنولينك قبلة ترضاها” ولم يقل “نرضاها” ولا ننسى حين قدوم النبى صلى الله عليه وسلم، من الطائف، بعد أن سخروا منه، رجع وقلبه مليء بالحزن والهم، لأن السيدة خديجة رضى الله عنها انتقلت للرفيق الأعلى، وجاءت لحظات صعبة شديدة على النبى صلى الله عليه وسلم، شعر فيها بالمرارة والحزن الشديد والهجر والحرمان، ولكنه كان واثقا فى حب الله تعالى له.

وأنه سيجبر خاطره، فإذا بجبريل عليه السلام يوقظه من نومه، ويأمر البراق، بأن تمطى للنبى صلى الله عليه وسلم، وقال له اثبت يا براق، لم يعتل ظهرك أشرف من محمد صلى الله عليه وسلم، فهو جبر خاطر من الله بهذه الرحلة المباركة، بل الأكثر من ذلك، أنه صلى بكل الأنبياء وهم ألوف، والكل يشكو حاله ولكن النبى صلى الله عليه وسلم، يحمل لواءهم، ثم يصعد لرب السماء بعد طول معاناة، أليس أجمل من هذا فى جبر الخواطر، وإن السمع كثيرا عن جبر الخواطر، ولا نتحسس معناها ولا ندرك أثرها على الغير، على الرغم ما لهذه الشعيرة الإيمانية التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، لما لها من عظيم الأثر على نفوس الناس، فكم منا من يطير فرحا إذا ابتسم أحد الناس في وجهه.

وكم منا من لا تسعه السعادة إذا سمع كلمة تشجيع أو استحسان من غيره، فما بالنا بأثر ذلك على أصحاب الحاجات أو الأيتام، أو الفقراء والمساكين؟ وفي زمن انتشرت فيه الأوبئة وضعفت فيه القلوب وازدادت فيه الفتن والشبهات يجب علينا جميعا أن نعلم أن مرض الجسم ينتهي بالموت، ولكن مرض القلب يبدأ بعد الموت، ومرض الجسم ولو كان عضالا ينتهي بالموت، وقد يكون صاحبه في أعلى الجنات، وانتهى الأمر، لكن مرض القلب يبدأ بعد الموت ويشقي صاحبه إلى أبد الآبدين، ولو كنا منطقيين لوجدنا أن أخطر أمراض الجسد أثره محدود في الحياة الدنيا، بينما أمراض القلب تشقي صاحبها إلى أبد الآبدين، فلذلك ينبغي أن ترتعد فرائصنا من أمراض القلب لأنه كما قال تعالي.

” يوم لا ينفع مالا ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم” ولا شك أن القلوب تمرض كالأبدان، ومرض القلوب أنواع، فمنها مرض لا يتألم به صاحبه في الحال، كمرض الجهل، ومرض الشبهات والشهوات والشكوك، وهذا النوع هو أشد الأمراض ألما، ولكن لفساد القلب لا يحس بالألم، وعلاجه إلى الرسل وأتباعهم، فهم أطباء هذا المرض، ولا شفاء منه إلا باتباع ما جاءوا به من الهدى، والقلب له حياة وموت، ومرض وشفاء، وذلك أعظم مما للبدن، والغالب في أمراض القلب أنها لا تزول إلا بالأدوية الإيمانية النبوية، فالهم والغم والحزن من أمراض القلب، وشفاؤها بأضدادها من الفرح والسرور والأنس، وجماع أمراض القلوب هي أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات، والقرآن شفاء للنوعين، ولغيرها من الأسقام.

ففيه من الآيات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل، فتزول أمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك، بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه وفيه إثبات التوحيد، وإثبات الصفات، وإثبات المعاد، وإثبات النبوات، وفي ذلك كله شفاء من الجهل، وهو الشفاء على الحقيقة من أدواء الشبه والشكوك، ولكن ذلك موقوف على فهمه ومعرفة المراد منه، وأما شفاء القرآن لمرض الشهوات، فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة، بالترغيب والترهيب، والتزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة، والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار، فيرغب القلب السليم إذا أبصر ذلك فيما ينفعه في معاشه ومعاده، ويرغب عما يضره، فيصير القلب محبا للرشد مبغضا للغي، ويعود للفطرة التي فطره الله عليها، كما يعود البدن المريض إلى صحته.

اظهر المزيد

شبكه أخبار مصر

فاطمة الشوا رئيس مجلس إدارة جريدة شبكة أخبار مصر وصاحبة الإمتياز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock