دين ودنيا

نبى الله الخضر عليه السلام ” الجزء الثامن “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثامن مع الخضر عليه السلام، وقد توقفنا عندما خلع الخضر اللوح من السفينه ثم قال نبى الله موسى في نفسه قوم حملونا وأكرمونا وأركبونا بلا ثمن ثم بعد ذلك يخرق سفينتهم ويفسد وسيلتهم، فلم يتحمل الصمت، فقال وقد أخذته الغيرة على الحق فقال أخرقتها لتغرق أهلها، وهنا التفت العبد الرباني إلى موسى، مذكرا له بالشرط الذي بينه وبينه وملفتا نظره إلى عبث محاولة التعلم منه، فأخذ موسى يعتذر إليه بالنسيان ويرجوا منه ألا يؤاخذه ولا يرهقه فقبل الخضر عذره ونسيانه، وقد مر موسى والخضر على حديقة يلعب فيها الصبيان، حتى إذا تعبوا من اللعب انتحى كل واحد منهم في ناحية من نواحي الحديقة، فجاء الخضر إلى أحدهم فاقتلع رأسه حتى فصل رأسه عن جسده، كان المشهد صادما لنبى الله موسى عليه السلام، كيف له أن يفعل ذلك وما الجرم الذي اقترفه الطفل حتى يتم قتله، وذلك هو حدود علمه ويعني ما فعلته شيء مثير للاستنكار لا يقبله العقل، فأعاد عليه الخضر ما قال له من قبل بأنه لن يستطيع معه صبرا، فأعتذر له نبى الله موسى عليه السلام، فانطلقا حتى وصلا إلى قرية يعرف أهلها بالبخل، فلما وصلا إليها، وقد نفذ ما معهما من الطعام فاستطعما أهل القرية، وطلبا منهم أن يطعموهم ويضيفوهما، فأبوا أن يضيفوهما حتى جاء عليهما المساء فآوى في الخلاء، فوجد الخضر جدارا يكاد أن يتهاوى ويسقط فقام الخضر إلى الجدار وقضى ليله كله في إصلاحه وبنائه من جديد، فقال نبى الله موسى في نفسه.

إن أهل القرية بخلاء لم يكرمونا ولم يضيفونا فلماذا يتعب نفسه فيهم ويشقى عليهم ويقدم لهم هذا العمل المجاني الذي لا يستحقونه، وقد قام الخضر عليه السلام، ووضح لموسى أسباب خرق السفينة بأنها كانت لمساكين، وفي الطريق يوجد ملك جبار يأخذ كل سفينة صالحة تمر بالطريق بالقوة، فألهم الله الخضر أن يقوم بأخذ لوح كبير منها لتبدو غير صالحة، فتسلم من الملك الجبار، وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين، فكان بعلم الله كافرا لو كبر، وحتى لا يفتن أبويه أماته الله مبكرا قبل أن يبلغ الحلم حتى يدخله معهما الجنة، لأنه لو أبقاه حتى يشب ربما حُب والديه له قد يجعلهما يكفران، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة التي أهلها بخلاء، وقد ترك لهما أبوهما كنزا وبنى عليه جدارا ليخفيه من أهل القرية اللئام، وأوشك هذا الجدار على السقوط، ولو سقط لوجده أهل القرية وضاع نصيب اليتيمين، ولكن الله ألهم الخضر أن يصلحه وقبل مسحه بيده فاستقام الجدار حتى يكبرا وبعد ذلك يتمكنان من الاستفادة من هذا الكنز، ولقد قدر الله لا يدركه الإنسان إلا بعد أن يتحقق ويفسر، ولقد كان نبى الله موسى عليه السلام يتعجب من تصرفات الخضر الفورية ولا يرى لها تفسيرا، لأن هذا قدر مؤجل النتائج، فعلى المسلم أن يرضى ولا يتضجر بقضاء الله وقدره لأننا لا نعلم شيئا فقال الله تعالى فى سورة الإسراء ” وما أوتيتم من العلم إلا قليل” فأي شيء يحدث لك أو لغيرك لا تقول لو كان كذا لصار كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان.

ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، وتذكر ما حدث لك من مصائب وكيف تحولت إلى خير وأنت لا تدري، ولو لم يترك نبى الله إسماعيل وأمه في الصحراء لم يكن ماء زمزم الذي نشرب منه، ولولا أن فدى الله نبيه إسماعيل بكبش لأصبح علينا أن نضحي بابن من أبنائنا، ولو أخذنا نعدد قدر الله الذي استبان لنا لوجدنا العجب، فعلينا أن نرضى بقدر الله حتى نعيش سعداء في هذه الدنيا، فمثلا الذي تأخر عن الزواج لا تقلق، فما تدري كم من الخير ينتظرك ما دمت قد أخذت بالأسباب، وأنت الذي تبحث عن عمل أو وظيفة: لا تخف على رزقك ورزق أولادك، فأنت لا تدري ما هو مدخر لك حتى يأتي وقته، ولا أقصد بذلك أن نتواكل ونترك البحث، بل اسع وتحرك وكل ميسر لما خلق له، وكما سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حينما نزلت هذه الآية كما جاء فى سورة هود ” فمنهم شقى وسعيد” فقال فعلى ما نعمل؟ على شيء قد فرغ منه أو على شيء لم يُفرغ منه؟ فقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “بل على شيء قد فرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر، ولكن كل ميسر لما خلق له” رواه الترمذي، وهكذا فإن قصة الرجل الصالح الخضر قد وردت مرة واحدة في سورة الكهف مع نبى الله موسى عليه السلام، وأن الراجح في شخصية الخضر هو أنه رجل صالح أجرى الله تعالى على يديه الكرامات وليس بنبي كما يزعم البعض، ولم يثبت دليل من الشرع أو يذكر التاريخ صفات الرجل الصالح الخضر الشكلية.

ولكن من خلال آيات سورة الكهف وقصته مع نبى الله موسى عليه السلام يتبين لنا أن الله تعالى قد أتاه قوة الجسد حيث أنه خرق السفينة، ثم قتل الغلام، ثم قان ببناء الجدار لوحده، والأصل في المسلم أن لا يبحث في هذه الأمور لأن معرفتها لا تزيد في الدين ولا تنقص منه شيئا، فالعلم بها لا ينفع والجهل بها لا يضر، ولكن المطلوب منا أن نستفيد من قصته التي وردت في سورة الكهف ومراجعة تفسيرها لنستنبط منها الدروس والعبر، لأن الهدف من ورود القصص القرآني هو مواساة وتسلية للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وعبرة للمسلمين، وروى الإمام البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى أنه قال “إنا لعند ابن عباس في بيته، إذ قال سلوني؟ قلت أي أبا عباس جعلني الله فدائك بالكوفة رجل قاص يقال له نوف، يزعم أنه ليس بموسى بنى إسرائيل” وفي رواية “أن سعيد بن جبير قال لابن عباس رضي الله تعالى عنهما إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب بني إسرائيل ليس هو صاحب الخضر” والخضر سمي بهذا الاسم بالخضر،لأنه كما ورد في الحديث الصحيح أنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء “رواه البخاري، والفروة هي الأرض اليابسة، وجلس الخضر مرة من المرات على أرض يابسة بيضاء ليس فيها نبات، فإذا هي تهتز تحته بقدرة الله تعالى خضراء، معجزة للخضر، فمن هذا الحادث سمي الخضر خضرا، فقال ابن عباس رضى الله عنهما لما سمع هذا الخبر.

أن نوفا البكالي وهو أحد القصاص الذين كانوا يحدثون الناس بأخبار الأمم السابقة لما سمع هذا الكلام عنه “قال كذب عدو الله” وقد تتساءلون عن هذه الكلمة عدو الله كيف يكون ذلك؟ وذكر العلماء تعليلا لهذه الشدة الواردة من ابن عباس، فقالوا أن هذه الكلمة إنما أطلقها ابن عباس، ولم يرد معناها الحقيقي، وإنما وردت مورد التغليظ والزجر على ذلك الرجل الذي أخبر بشيء خلاف الثابت عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد زعم أن موسى الذي كان مع الخضر ليس هو صاحب بني إسرائيل موسى آخر، فقال في معرض الزجر، والتغليظ، وفي حالة غضب، وفي حالة الغضب يعذر الغاضب في بعض ألفاظه التي تخرج منه، ثم قال ابن عباس رضى الله عنهما حدثني أبي بن كعب عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، قال “خطب موسى في بني إسرائيل يوما حتى ذرفت العيون ووجلت القلوب، فلما انصرف تبعه رجل فقال يا نبي الله هل هناك أعلم منك في الأرض؟ قال لا، فعتب الله عز وجل عليه إذ لم يُرجع العلم إليه، قال بلى إن لي عبدا في مجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى وكيف لي به؟ قال خذ حوتا واجعله في مكتل وفي رواية خذ نونا ميتا، والنون هو الحوت وإليه يُنسب يونس عليه السلام في قوله تعالى كما جاء فى سورة الأنبياء ” وذا النون إذ ذهب مغاضبا” فالنون هو الحوت، قال خذ نونا ميتا فاجعله في مكتل فحيث فقدته فهو ثم، أي حيث يُفقد هذا الحوت فالخضر هناك، فانطلقا حتى إذا كان ببقعة من الأرض.

قال موسى لفتاه لا أكفلك كثيرا، أيقظني إذا رد الله الحياة في الحوت، قال ما كَلفت، ثم إن الحوت ارتدت إليه الحياة، وقفز في البحر، فأمسك الله عليه الماء وحبسه، فلم يستطيع أن يذهب، فلما استيقظ موسى نسي غلامه أن يخبره أن الحوت قفز إلى الماء، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان من الغد قال موسى لفتاه ” آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا” عند ذلك تذكر الفتى أن الحوت المشوي الذي كانا سيتغديان به قفز إلى الماء، قال ذلك ما كنا نبغى فارتدا على أثارهما قصصا، أي أنهما رجعا يقصان الآثار مرة أخرى، فلما وصلا إلى هناك وجدا رجلا مسجى ببردة خضراء تحت قدميه وتحت رأسه كالذي يلتحف بلحاف فيجعله تحت رأسه وتحت قدميه، فسلم عليه موسى، فكشف عن وجهه وقال وهل بأرضي سلام؟ أي وهل في أرضي هذه من يعرف السلام؟ قال من أنت؟ قال أنا موسى، قال الخضر أنت موسى بني إسرائيل؟ قال نبى الله موسى عليه السلام نعم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة “رواه مسلم، والذمامة بمعجمة في البداية هي الحياء والإشفاق من الذنب، وبالمبهمة هي قبح الخلق، يعني قبح الخلقة، والذمامة وهي الإحياء والإشفاق من الذنب، يعني نبى الله موسى أخذته من صاحبه ذمامة يعني ما يستطيع أن يكمل معه أكثر من كذا، بلغ الحد، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر.

حتى كان يقص علينا من أخبارهما، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كانت الأولى من موسى نسيانا، ولما ركبوا السفينة جاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة ثم نقر في البحر، فقال له الخضر ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر” وهذا المثال لتقريب الأذهان ليس للمعنى الحقيقي به، يعني ليس أن علم موسى والخضر بالنسبة لعلم الله كقطرة في البحر، هو أقل من قطرة في البحر لا شيء لكن لتقريب الأذهان، أو مثل ما أخذ هذا العصفور من البحر، وإن هنا يرد إشكال بسيط، وهو أن نبى الله عيسى عليه السلام كان حي لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أرأيتكم ليلتكم هذه، لكن مع ذلك ما زال حيا بعد المائة سنة؟ فنقول الجواب على هذه الإشكال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث” ممن هو على ظهرها يعني على ظهر الأرض، أما عيسى في السماء، إذا هو لا يدخل في الحديث، والإشكال الثاني هو الدجال الذي هو الآن حي وموثوق يعني بالحديد بالسلاسل في جزيرة من جزائر البحر، وهو الذي لقيه الصحابي لما هاجر من اليمن فتاه في البحر، فوجدوا الدجال هذا موثق في جزيرة من جزائر البحر الأحمر، أو المحيط الهندي الذي هو إذا خرج الإنسان من اليمن من الاحتمال أن يتوه في هذا البحر، أو في هذا البحر، فما هو الجواب؟ فيقول الشنقيطي رحمه الله تعالى في كتابه العظيم أضواء البيان أجاب عن هذا بما ملخصه أن النص الذي رواه الإمام مسلم “أرأيتكم ليلتكم هذه ” هو نص عام والحديث الذي ورد عن الدجال نص خاص.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock