دين ودنيا

الدكروري يكتب عن اذهب فاحتطب وبع

بقلم / محمـــد الدكـــروري

يروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال “أما في بيتك شيء؟” قال بلى، حلس نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقَعب نَشرب فيه الماء، قال ” ائتني بهما” قال فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال ” من يشتري هذين؟” قال رجل أنا آخذهما بدرهمٍ، قال ” من يزيد على درهم؟” مرتينِ أو ثلاثا، قال رجل أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري وقال ” اشتري بأحدهما طعاما فأنبذه إلى أهلك، واشتري بالآخر قَدوما فأتني به” فأتاه به، فشدَّ فيه صلى الله عليه وسلم عودا بيده، ثم قال ” اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوما” فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرةَ دراهم.

فاشترى ببعضها ثوبا وببعضِها طعاما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة، لذي فقر مدقغ، أو لذي غُرم مُفظع، أو لذي دم مُوجع ” رواه أبو داود والترمذيِ، فالرسول صلى الله عليه وسلم لقن هذا الرجل درسا لا ينساه ، وبهذا سد الرسول صلى الله عليه وسلم بابا من أبواب الكسل والتواكل وتعطيل الطاقات، فلو أن الرسول أعطاه من الصدقة لفتح بذلك الباب على مصراعيه للكسالى والمتواكلين والعاطلين، ولأصبحت هذه مهنتهم كما هي مهنة الكثيرين في هذا العصر، وما يرى من أمثال هؤلاء في الموصلات والشوارع والطرقات لأقوى دليل على ذلك، لهذا كله حرم الإسلام البطالة والكسل والركود.

وعدم استثمار واستغلال المواهب والطاقات لأن ذلك يؤدي إلى الانحطاط في جميع مجالات الحياة، وإلى هبوط الإنتاج، وتخلف الأمة، وانتشار الفوضي، وكثرة المتواكلين، إضافة إلى المذاق الغير الطبيعي للقمة العيش وخاصة إذا حصل عليها الكسول من عرق جبين غيره، فينبغي على الفرد أن يعمل ليأكل من كسب يده لأنه أفضل أنواع الكسب، وكما إن مال المسلم لا يجوز أكله إلا بطيب خاطر منه، وظلمه وغبنه وقهره، مما يخل بأمنه وأمن مجتمعه، ولهذا جعل الله عقوبة من خالف ذلك، واكل مال غيره بالباطل من أعظم العقوبات فالذي يأكل مال غيره بغير حق مشروع لا يستجاب دعاؤه، لو دعا الله الليل والنهار ، فصلته مقطوعة مع خالقه سبحانه، وأكل أموال الغير بالباطل من الظلم المعرض لدعوة مستجابة.

فعن سعيد بن زيد أن امرأة خاصمته في بعض داره فقال “دعوها اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها” فقال الراوي فرأيتها عمياء تلتمس الجدر تقول أصابتني دعوة سعيد بن زيد فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها، فمن أكل مال أخيه بالحرام فقد تعرّض لدعوة المظلوم، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، يقول الله عز وجل “وعزتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعد حين” رواه احمد، وكذلك أكل مال الغير بالباطل يعرض لغضب الله، فيقول تبارك وتعالى “كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبى” ومن أكل حراما فقد طغى ومن طغى فقد عرّض نفسه لغضب الله وإذا غضب الله على عبد فالهلاك أقرب إليه من نفسه التي بين جنبيه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock