دين ودنيا

وقفه مع فضل العلم ” الجزء الثانى “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع فضل العلم، ولقد جاءت نصوص قرآنية تحذر من ترؤس الجهلة وتصدرهم لقيادة الأمة، إذ بذلك تجتلب المحن والفتن على المسلمين، ويقول ابن حجر إن إسناد الأمر إلى غير أهله إنما يكون عند غلبة الجهل، ورفع العلم، ومن المعلوم أنه ما حدثت الفتنة في الأمة ودبت الفرقة إلا حينما تصدر مثل هؤلاء الناس وقادوهم, وهذا ما حدث في الفتنة على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكذلك فإن الجهل أصل كل شر، فلولا الجهل ما عبد مع الله تبارك وتعالى أحد، فكل فساد وضلال في الأرض لو نقبت عنه لوجد ت الجهل هو سببه ومنبعه، فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والجهل والظلم هما أصل كل شر، كما قال سبحانه وتعالى فى سورة الأحزاب.

“إنا عرضا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا” وذكر الله سبحانه وتعالى أن الجهل هو الذي دفع قوم لوط لعمل جريمتهم البشعة من اللواط, فيقول تعالى فى سورة النمل” أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون” وأن الجهل يمنع صاحبه مِن إتقان العمل والتقرب به بالصورة الصحيحة والسليمة التي ينبغي أن يكون عليها بسبب ما عنده من القصور، فمن عبد الله بغير علم يُفسد أكثر مما يصلح، كما قال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، وأن الجهل سبب في عدم معرفة الأولوية في الأعمال الصالحات، فالأعمَال الصالحات متفاوتة من حيث الواجب والأوجب.

والفرائض من فرض عين وكفاية، ومن حيث المندوبات والسنن، فالجاهل قد يقدم النفل على الفرض، والسنة على الواجب، بل قد يترك بعض الواجبات مع الحرص على كثير من السنن والنوافل، فالجاهل يشتغل بالمفضول عن الفاضل، وبالمرجوح عن الراجح، وربما توسع في النوافل والمندوبات وترك الفرائض والواجبات، فتجده ينشغل بالمحافظة على بعض النوافل والمسنونات، مع تقصيره ببعض الفرائض كبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يحافظ على سنن الصلاة ويتخلف عن صلاة الفجر، يمتنع عن الطعام والشراب في رمضان ولا يمتنع عن شهادة الزور والكذب والرشوة وغيرها كثير، وأن الجهل يوقع الفرد في بعض البدع.

فالجاهل يقع في كَثِير من البدع والمحدثات سواء أكانت في الاعتقادات أو في العبادات والأعمال، والأعظم من ذلك أن يتقرب بها إلى ربه ظنا منه أنه على هدى ونور، فقد يؤتى الإنسان من قبل جهله من وجه آخر حيث يظن أن فعله هذا مبارك مشروع، وصاحبه مأجور مشكور، وليس الأمر على ظنه وحسبانه في الواقع، كمن يظلم كافرا أو فاسقا، ويتعمد الإساءة إليه بالقول والفعل، وهو يظن أن عمله هذا قربة يرفعه الله بها درجات، ويجهل أن الظلم حرام في حق كل أحد، سواء كان مسلما أو كافرا، برا أو فاجرا، وأن فعله هذا من الصد عن سبيل الله، والظلم لعباد الله، وكلاهما حرام بنصوص كثيرة في الكتاب والسنة، فالعلم نور يستضيء به الناس ويهتدون به.

والجهل ظلمة يجر الناس إلى الهلاك، والعلم يدعو إلى الحكمة والتأني، والجهل يدعو إلى العجلة والاستعجال، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “التأني من الله والعجلة من الشيطان” رواه البيهقي، والعلم يدعو إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة من الصحابة ومن بعدهم من القرون المفضلة، والجهل يدعو إلى العاطفة والحماسة غير المتزنة، وإلى نصوص شرعية بلا فقه ولا فهم صحيح، والعلم يدعو إلى العدل في كل شيء، والجهل يدعو إلى الظلم والاعتداء، والعلم ينظر إلى عواقب الأمور ونتائجها وما يتوقع من المفاسد وراءها، والجهل لا ينظر إلا إلى واقع الحال دون النظر في العواقب، والعلم يدعو إلى إنكار المنكر بشروط وضوابط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock